فصل: حرف الهاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المطلع على أبواب المقنع ***


كتاب الرضاع

الرِّضاع، والرِّضاع‏:‏ مَصُّ الثَّدْيِ، بفتح الراء وكسرها، مصدر‏:‏ رضَع الصبيُّ الثَّديَ بكسر الضاد وفتحها، حكاهما ابن الأعرابي، وقال‏:‏ الكسر أفصح، وأبو عبيد في «المصنف» ويعقوب في «الاصلاح» يرضَع، ويرضِع بالفتح مع الكسر، والكسر مع الفتح رَضْعاً، كفَلْسٍ، وَرَضَعاً، كَفَرِسٍ، ورَضاعاً، ورِضاعاً ورَضاعة وَرِضَاعة، ورَضِعاً، بفتح الراء وكسر الضَّادِ، حكى السبعة ابن سيده والفراء في المصادر، وغيرهما‏.‏ قال المطرز في «شرحه» امرأةٌ مُرضِع‏:‏ إذا كانت تُرضع ولدها ساعة بعد ساعة، وامرأة مُرضِعة‏:‏ إذا كان ثديها في فَمِ ولدها‏.‏ قال ثعلب‏:‏ فَمِنْ هاهنا جاء القرآن‏:‏ ‏{‏تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ‏}‏‏.‏ ونقل الجرمي عن الفراء‏:‏ المُرْضِعةُ، الأم، والمُرضِع‏:‏ التي معها صبي ترضعه‏.‏ والولد‏:‏ رضِيع، ورَاضع، ورَضع، ومُرضِع‏:‏ إذا أرضعته أُمه‏.‏

«وثبوت المحرمية» المَحْرَميَّة‏:‏ المراد بها‏:‏ كونه محرماً لها، ويجوز لها السفر معه، كولدها النسيب، وقد تقدم ذكر المحْرم، والياء في «المحرميّة» للنسب، نسبة إلى المحرم، أي‏:‏ الهيئة المحرميَّة‏.‏

«ثاب لامرأة» أي‏:‏ اجتمع لها لبن، من قولهم‏:‏ ثاب الناس، أي‏:‏ اجتمعوا‏.‏

«في العامين» واحدهما‏:‏ عام، وهو‏:‏ السَّنَةُ‏.‏

«أو لأمر يلهيه» بضم الياء، أي‏:‏ يشغله‏.‏ يقال‏:‏ لهيت عن الشيء بكسر الهاء، وأَلهاني غيري‏.‏

«والسعود والوجور» السَّعُوط‏:‏ تقدم فيما يفسد الصوم، والوجور، بفتح الواو‏:‏ الدواء يوضع في الفم، وقال الجوهري‏:‏ في وسط الفم، تقول‏:‏ وجرت الصبيَّ، وأَوجَرْتُهُ ويقال لكل واحد من الوَجور، والسَّعُوط‏:‏ النّشُوعُ بالعين المهملة والغين المعجمة، حكاهما أبو عثمان، وشيخنا ابن مالك في كتاب «وفاق الاستعمال»‏.‏

«واللبن المشوب» أي‏:‏ المخلوط، شاب الشيء شوباً‏:‏ خلطه، فهو مشوب، كمقُول‏.‏

«دَبَّتْ» أي‏:‏ مشت مشياً رفيقاً، والغرض هنا‏:‏ أنها دَبَّتْ منها بنفسها، مشياً كان، أو زحفاً، أو حبواً، أو غير ذلك‏.‏

«من كمل رضاعها أولاً» أوّلاً‏:‏ بالتنوين لا غير‏.‏

«امرأة مرضية» أي‏:‏ مَرْضِيٌ دينُها، بحيث تقبل شهادتها، وقد يقال‏:‏ مَرْضُوَّة على الأصل، والله أعلم‏.‏

كتاب النفقات

وهي جمع نَفَقَةٍ، والنَّفَقَةُ‏:‏ الدراهم، ونحوها من الأموال، وتجمع على نِفاقٍ أيضاً، كثَمَرةٍ وثِمارٍ، وسميت بذلك إمّا لشبهها بذهابها بالموت، وإما لِرَوَاحِها، من نفقت السوق، وامّا نفق المبيع‏:‏ كُثْرُ طُلاّبه‏.‏

«ما لا غنى لها عنه» يقال‏:‏ غَنِيَ عن الشيء عنىً‏:‏ استغنى عنه‏.‏ والغَنَاء‏:‏ بالفتح والمد‏:‏ الكفاية، وبالكسر والمد، من الصوت، يقال‏:‏ غنَّى يغنّي أُغنيَّة وغِنَاءً، فيجب على الرجل أن يُنفق على امرأته ما لا تستغني عنه، وذلك بالكسر والقصر‏.‏

«وأُدمه» الأدم‏:‏ بضم الهمزة، والادام‏:‏ ما يُؤتدم به، تقول‏:‏ أُدَمْت الطعام وآدَمْتُهُ‏:‏ إذا جعلت فيه إداماً‏.‏

«من جيد الكتان» الكَتَّان، بفتح الكاف‏:‏ النبت المعروف، قال بعضهم‏:‏ إنه فارسيّ مُعَرَّب‏.‏

«والخز والابريسم» الخز، قال أبو السعادات‏:‏ الخز المعروف أولاً‏:‏ ثياب تنسج من صوف وإبْرِيسم، وهي مباحة‏.‏ والخَزُّ المعروف الآن‏:‏ معمول كله من الابْرِيسم، فهو حرام على الرجال، والمراد هنا الأول، لأنه عطف عليه، فكأنه قال‏:‏ من الابريسم المصمت وغيره، فأما الابريسم، فهو الحرير‏.‏ قال أبو منصور‏:‏ هو أعجمي معرَّبٌ، بفتح الألف والراء، وقيل‏:‏ بكسر الألف وفتح الراء، قال ابن الأعرابي‏:‏ هو الابريسم بكسر الهمزة والراء وفتح السين، قال‏:‏ وليس في الكلام إفْعِيْلَلْ، ولكن إفعِيللْ، كاهْليلجْ‏.‏

«ووقاية ومقنعة، ومداس، وجبة للشتاء، وللنوم الفراش واللحاف والمخدة، والزِّليِّ» وقاية بكسر الواو، وهو ما بقي غيره، والمراد هنا‏:‏ ما نضعه المرأة فوق المِقْنَعة، وتسميها نساء زماننا‏:‏ الطرحة‏.‏

وأما المِقنعة، فبكسر الميم‏:‏ ما تَتقَنَّعُ به المرأة، وكذلك المِقْنَع، قال الجوهري‏:‏ والقِنَاع أوسع من المِقْنَعَة‏.‏ وأما المداس، فبفتح الميم مَفْعَل، من داس يدوس، لكثرة الدوس عليه، كالمقْبَر لكثرة القبور فيه، ولو سلك به مسلك الآلات لكُسِر، كالمِقَصِّ ونحوه‏.‏ وأما الجُبَّةُ، بضم الجيم، فالنوع المعروف من اللباس، والجمع‏:‏ جِبَاب‏.‏ وأما الفِراش‏:‏ بكسر الفاء، فهو الفراش المعروف، وجمعه‏:‏ فُرُش‏.‏ وأما المِخدة‏:‏ فبكسر الميم، قال الجوهري‏:‏ لأنها توضع تحت الخَدِّ‏.‏ وأما الزِّليِّ‏:‏ فبكسر الزاي واللام، والزِّلِيَّة‏:‏ الطنفسة، وهي البساط من الصوف‏.‏

«على حسب عادته» بفتح الحاء والسين المهملتين، أي‏:‏ على معدود عادته، وحَسَب‏:‏ بمعنى محسوب، أي‏:‏ معدود، كقَبَض‏:‏ بمعنى مقبوض، يقال في المعدود‏:‏ محسوب وحَسَبٌ‏.‏

«سواء» هو اسم مصدر بمعنى الاستواء، وهو منصوب على المصدر بفعل محذوف، والتقدير، والله أعلم‏:‏ استوت الرجعية والزوجية في ذلك استواءً، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي‏:‏ هما في ذلك سواء‏.‏

«ولا ينهك بدنها» ينهك بفتح الياء، أي‏:‏ لا يجهده، والله أعلم‏.‏

«بخلاف الآجل» بمد الهمزة، وهو‏:‏ ما كان له أجل يحل إليه‏.‏

باب نفقة الأقارب والمماليك

الأقارب‏:‏ جمع قريب، كريم، وأكارم، وهم‏:‏ النُّسباء المنتسبون بالرحم‏.‏ والمماليك، واحدهم‏:‏ مملوك، وهو‏:‏ اسم مفعول، من ملكت الشيء‏:‏ إذا دخل في ملكك، والمراد‏:‏ الأرقَّاء‏.‏

«لا حرفة له» الحرفةُ‏:‏ الصناعة وجهة الكسب، وقال شيخنا في «مثلثه»‏:‏ الحرفة‏:‏ ما يحاوله المحترف، أي‏:‏ المكتسِب‏.‏

«إلا أن يضطر إليها» يُضْطَر بضم الياء مبني للمفعول، أي‏:‏ أُلجىء إليه، وهو‏:‏ يفتعل من الضرر، فقلبت التاء طاءً، لكونها بعد الضاد، وغالب بناء يُضْطَرّ للمفعول، وقد يبنى للفاعل، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أضْطَرُّهُ‏}‏‏.‏

«وقت القيلولة» القَيْلُولة‏:‏ مصدر قال، يَقِيلُ، قَيْلُولة، وقَيْلاً، ومقيلاً، وهو شاذ، كلهُ يَوْمُ القَائِلَة، والقَائِلَةُ‏:‏ الظَّهِيرَة، وهي الهَاجِرَةُ‏.‏

«ويركبهم عقبة» العُقْبة‏:‏ بوزن غُرْفَة‏.‏ النوبة‏.‏ يقال‏:‏ دارت عُقْبةُ فلان‏:‏ إذا جاءت نَوْبتُه، ووقت ركوبه، يعني‏:‏ إذا سافر بالعبد، يركبه تارة، ويمشيه تارة‏.‏

«فضل عن ريه» فهو‏:‏ مصدر رَوي رَيّاً بفتح الراء وكسرها، ويقال‏:‏ رَوِيَ ريَّة أيضاً بفتح الراء‏:‏ إذا أخذ حاجته من الماء عادة‏.‏

«على المخارجة» المخارجة في الأصل، مصدر خارجه‏:‏ إذا نَاهَدَه‏.‏ والتناهد‏:‏ إخراج كل واحد من الرفقة نفَقَةً بقدر نَفقَةِ صاحبه، كأن كل واحد خرج لصاحبه عما أخرجه، والمراد بها‏:‏ ما يقطعه على العبد في كل يوم باتفاقهما إذا كان له كسب، فإن لم يكن له كسب، حرم ذلك، لكونه لا يقدر عليه أن يؤدِّيه من جهة حلٍّ‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الحضانة

الحَضَانة، بفتح الحاء‏:‏ مصدر حَضَنْتُ الصبيَّ حَضَانة‏:‏ تحمَّلتُ مؤنَتِهُ وتربيَتَهُ، عن ابن القطاع، والحاضِنَةُ‏:‏ التي تُربيِّ الطفل، سُميت بذلك، لأنها تضم الطفل إلى حضنها، وهو‏:‏ ما دون الابط إلى الكَشْح، وهو الخصر‏.‏

«تمريضه» مصدر‏:‏ مرضته تمريضاً‏:‏ إذا قمت عليه في مرضه، والله أعلم‏.‏

كتاب الجنايات

الجنايات‏:‏ واحدتها جناية‏.‏ وهي مصدر جنى على نفسه، وأهله، جناية‏:‏ إذا فعل مكروها‏.‏ عن السعدي، وقال أبو السعادات‏:‏ الجناية‏:‏ الجرم، والذنب، وما يفعله الانسان مما يوجب عليه القصاص والعقاب في الدنيا والآخرة‏.‏

«آدمياً معصوماً» معصوماً‏:‏ اسم مفعول من عصم بمعنى‏:‏ مُنع قتلُه، فليس هو حَرْبيّاً، ولا زانياً محصناً، ولا نحو ذلك‏.‏

«بما له مَوْرٌ في البدن» أي‏:‏ دخول وتردد‏.‏

«بمسلة» المسلَّة‏:‏ بكسر الميم واحدة المسالِّ، وهي‏:‏ الابر الكبار، عن الجوهري، وغيره‏.‏

«ضمناً» الضِّمِن بفتح الضاد وكسر الميم‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الذي به الزَّمانة في جسده من بلاءٍ، أو كسرٍ، أو غيره، وقال السعدي‏:‏ ضَمِنَ الرجل ضَمَناً وضَمَانة‏:‏ لزمه عِلَّة، فهو ضَمِن‏.‏

«كالفؤال والخصيتين» الفؤاد، بالهمز‏:‏ القلب، وقيل‏:‏ وسطه، وقيل‏:‏ غشاؤهُ‏.‏ والقلب حبته وسويداؤه، والجمع‏:‏ أفئدة‏.‏ والخُصيتين‏:‏ واحدتهما خُصية بضم الخاء، وحكى الجوهري الكسر، قال أبو عمرو‏:‏ الخُصيتان‏:‏ البيضتان‏.‏ والخُصيان‏:‏ الجلدتان اللتان فيهما البيضتان، والتثنية‏:‏ بغير تاء، ووقع في الأصل بخط المصنف رحمه الله‏:‏ الخصيتين بالتاء على الأصل، وهي لغة‏.‏

«قطع سلعة» السِّلْعة، بكسر السين‏:‏ غُدَّةٌ تظهر بين الجلد واللحم، إذا غمزت باليد تحركت‏.‏

«فعليه القود» القَوَدُ‏:‏ القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أَقَدْتُه به أَقِيدُهُ إقادة‏.‏

«عمود الفستاط» بيت من شعر، وهو فارسي معرب عن أبي منصور، وفيه لغات سِت فُستاط، وفُسطاط، وفِسّاط، بضم الفاء، وكسرها، لغة فيهن، فصارت ستاً‏.‏ والفُستاط‏:‏ المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة‏:‏ فُستاط، وعموده‏:‏ الخشبة يقوم عليها‏.‏

«كاللت والكوذين والسندان» اللُّثُّ، بضم اللام‏:‏ نوع من آلة السلاح معروف في زماننا، وهو‏:‏ لفظ مُولَّد ليس من كلام العرب، ولم أره في شيء مما صنف في «المعرب» وأخبرني الشيخ أبو الحسين علي بن أحمد بن عبد الواحد‏:‏ أنه قرأه على المصنف، بالضم، فينبغي أن يُقرأ مضموماً، كما يقوله الناس‏.‏ وأمّا الكُوذَيْن، فلفظ مولَّد أيضاً، وهو عند أهل زماننا‏:‏ عبارة عن الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب‏.‏ وأما السندان، فلم أره في شيء من كتب اللغة أيْضاً، فالظاهر أنه مولَّد، وهو عبارة عن الآلة المعروفة من الحديد الثقيل، يعمل عليها الحداد صناعته‏.‏

«من شاهق» قال الجوهري‏:‏ الشَّاهِق‏:‏ الجبل المرتفع‏.‏

«في مقتل» المقتل، بفتح التاء‏:‏ واحد المقاتل، وهي‏:‏ المواضع التي إذا أُصيبت قتلته‏.‏ يقال‏:‏ مقتل الرجل بين فكيه‏.‏

«في زيبة أشد» الزُبية‏:‏ بوزن غرفة‏:‏ الرابية لا يعلوها الماء، وحفرة تحفر للأسد شبه البئر، سميت بذلك، لكونها تحفر في مكان عالٍ، وحفرة يحفرها النمل في مكان عالٍ‏.‏

«أو أنهشه كلباً، أو سبعاً، أو حية، أو ألسعه عقرباً» نَهَشَ‏:‏ بالشين المهملة والمعجمة بمعنى‏.‏ وقيل بالمهملة‏:‏ الأخذ بأطراف الأسنان، وبالمعجمة‏:‏ بالأضراس، وقال الخطابي بالعكس، وقال السعدي‏:‏ نهش الرجل والسبع واللحم‏:‏ قبض عليه، ثم نثره، والهمزة في «أنهشه»‏:‏ همزة التعدي إلى مفعول ثانٍ، ويقال‏:‏ نهشته الحية، ونشطته، بالطاء المهملة، وبالظاء المعجمة‏:‏ لدغته‏.‏ ولسعته العقرب، وَلَبَسَتْهُ بكسر سين الأول، وفتحها في الثاني، وهمزة «ألسعه» للتعدية إلى مفعولٍ ثانٍ، كما تقدم‏.‏

«سقاه سماً» السم، بضم السين وفتحها، وكسرها‏:‏ كل ما يَقْتُل إذا شُرب أو أُكل‏.‏

«أو بقتله بسحر» السحر بوزن العلم في اللغة‏:‏ صرف الشيء عن وجهه، يقال‏:‏ ما سحرك عن كذا، أي‏:‏ ما صرفك، وسحره أيضاً بمعنى خدعه، قال السعدي، والجوهري‏:‏ والساحر‏:‏ العالم، وقال المصنف رحمه الله في «المغني»‏:‏ والسحر‏:‏ عُقَدٌ ورُقىً، وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، ومه ما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ومنه‏:‏ ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغِّض أحدهما في الآخر، أو يحبِّب بين الاثنين‏.‏

«عمدت قتله» عمدت بفتح الميم‏:‏ لا يجوز غيره، وأكثر تعديه بحرف الجر، تقول‏:‏ عمدت إليه، وعمدته، كما تقول‏:‏ قصدته، وقصدت له‏.‏

«عمد محض» المحض‏:‏ الخالص من كل شيء‏.‏

«أو يلكزه» اللّكْزُ‏:‏ الضرب بجميع الكف في أي موضع من جسده، وعن أبي عبيدة‏:‏ الضرب بالجمع على الصدر‏.‏ قال الجوهري‏:‏ لكمته‏:‏ إذا ضربته بجمع كَفِّكَ‏.‏

«على سطح» السَّطح‏:‏ سطح الدار معروف، وهو‏:‏ من كل شيء أعلاه‏.‏

«كقطع حشوته» حشوة البطن بكسر الحاء وضمها‏:‏ أمعاؤه‏.‏

«أو مريئه أو ودجيه» المريء مهموزاً ممدوداً‏:‏ مجرى الطعام والشراب من الحلق، والجمع‏:‏ مُرُؤٌ كسرير، وسُرر‏.‏ والودَجان‏:‏ واحدهما‏:‏ ودج بفتح الدال، وكسرها، وهما‏:‏ عرقان في العُنُق‏.‏

«في أرض مسبعة» أي‏:‏ كثيرة السباع بفتح الميم لا غير، وكذلك يبنى للمكان، مما كثر فيه مَفْعَلةٌ من كل ثلاثي، نحو أرض مأسدة، ومَذْأَبةٍ، ومَذَابَّةٍ‏:‏ إذا كثر فيه الأسود، والذِّئاب، والذُّئاب‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب شروط القصاص

«دخل يكابره» أي‏:‏ يغالبه، وكابر‏:‏ فاعل، من كبر، أي‏:‏ غالبه في ذلك حتى يغلبه، فيأخذ أهله، أو ماله، والله أعلم‏.‏

باب استيفاء القصاص

استيفاؤه‏:‏ أن يَفْعَل المجني عليه، أو وليُّه بالجاني مثل ما فعل، أو عوضه‏.‏

«حتى الزوجين» هكذا هو بخط المصنف رحمه الله تعالى بالياء، والأحسن أن يكون الزوجان بالألف، لأنه مثنى معطوف على مرفوع، وهو‏:‏ كل من ورث، وشرط المعطوف بـ «حتى» أن يكون بعضاً على كل، وهو هنا كذلك‏.‏ ووجه جره بالياء، أن يكون «حتى» حرف جر بمعنى‏:‏ انتهاء الغاية، أي‏:‏ كل من وَرِثَ المال، ورِثَ القصاص، ينتهي ذلك إلى الزوجين، وذوي الأرحام‏.‏

«وإن شاء عفا» أي‏:‏ عفا على الدية لا أقل، ولا مجاناً، لعدما الحظ للمسملين في ذلك، ويحتمل جواز العفو على غير مالٍ، لعفو عثمان عن قاتل الهرمزان من غير نكير‏.‏

«وتسقيه اللبأ» مهموزاً مقصوراً بوزن العنب، وما يحلب من اللبن عند الولادة، يقال‏:‏ لَبَأتِ الشاة ولدها، وألبأته‏:‏ أرضعته اللّبأ‏.‏

«تفقد الآلة» الآلة‏:‏ الأداة التي يعمل بها العمل، كالْقَدُوم للنَجَّار، والسيف ونحوه للمقاتل، والمقتص، ونحو ذلك، وعينها واو‏.‏

«واللواط» اللواط‏:‏ عمل قوم لوط‏.‏ يقال‏:‏ لاَطَ ولاوَطَ لِوَاطاً‏:‏ إذا فعل ذلك، والله أعلم‏.‏

باب العفو عن القصاص

العفْوُ‏:‏ التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصله‏:‏ المَحْوُ والطَّمْسُ‏.‏

«والخيرة فيه» الخِيرَة‏:‏ بكسر الخاء وفتح الياء بوزن العنبة بمعنى‏:‏ الاختيار، يقال‏:‏ اختار اختياراً، والاسم‏:‏ الخِيرة‏.‏ ياقل‏:‏ محمد خِيرَة الله، وخيْرته، بسكون الياء‏.‏

«سرت إلى الكف» أي‏:‏ تَعدَّى مرضها وفسادها إلى الكف، أو النفس‏.‏ يقال‏:‏ سرى عرق الشجرة في الأرض‏:‏ إذا مضى فيها، ويقال‏:‏ سرى الليل وأسراه إذا قطعه سيراً‏.‏

«في موجب» بضم الميم وفتح الجيم‏:‏ اسم مفعول من أوجب، أي‏:‏ فيما أوجبه العمد، ويجوز أن يراد به المصدر، أي‏:‏ في إيجاب العمد، والله أعلم‏.‏

«يحدث» أي‏:‏ يوجد بضم الدال مضارع حدث بفتحها‏.‏

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

«ما» في «ما يوجب» بمعنى‏:‏ الذي، أي‏:‏ الذي يوجب القصاص في غير النفس‏.‏

«والجفن» الجفن بفتح الجيم‏:‏ جفن العين المعروف وهو‏:‏ غطاؤها من فوق وأسفل، وحكى ابن سيده فيه الكسر‏.‏

«والشفر» الشفر بوزن القُفْل‏:‏ شُفر المرأة، وهو‏:‏ أحد شُفريها، وهما‏:‏ قدتا الفرج المعروفتان، فأما شُفر العين، فهو‏:‏ منبت الهُدْب، وقد حكي فيه الفتح‏.‏

«من الحيف» الحَيْف‏:‏ بوزن البيع‏.‏ وهو‏:‏ الجوْر والظلم‏.‏ يقال‏:‏ حَافَ يحيف حَيْفاً‏.‏

«من مفصل» المفصل‏:‏ بفتح الميم، وكسر الصاد‏:‏ واحد المفاصل، وهي ما بين الأعضاء، كما بين الأنامل، وما بين الكف والساعد، وما بين الساعد والعضد، والمِفصَل‏:‏ بكسر الميم وفتح الصاد‏:‏ اللسان‏.‏

«فإن قطع القصبة» قال الجوهري‏:‏ قصبة الأنف‏:‏ عظمه، وكذلك كل عظم أجوف مستدبر، وكذلك ما اتُّخذ من قصب، وغيره‏.‏

«على حدقته» قال الجوهري‏:‏ حدقة العين‏:‏ سوادها الأعظم، والجمع‏:‏ حَدَق، وحِداق‏.‏

«بعد الاندمال» الاندمال‏:‏ مصدر اندمل الجرح‏:‏ إذا صلح، وهو مطاوع دمل‏.‏ تقول‏:‏ دَمَلَه فاندمل‏.‏

«أخرجها دهشة» يقال‏:‏ دهِش بكسر الهاء، فهو دَهِش، ودُهِشَ فهو مَدْهُوش‏:‏ تحير‏.‏ والدّهشة‏:‏ المرة منه، ونصبه على أنه مفعول له، ويجوز نصبه على الحال مبالغة، أو على حذف المضاف، أي‏:‏ ذا دهشة‏.‏

«هدراً» بسكون الدال المهملة وفتحها، أي‏:‏ باطلاً، ويُقال‏:‏ هَدَرَ الدم وأهْدَرَه‏:‏ أبطله‏.‏

«صحيحة بشلاّء» الشَّلَل‏:‏ بطلان اليد والرجل من آفة تعتريها، وقال كراع في «المجرد»‏:‏ الشَّلَل تقَبُّض الكف، وقيل‏:‏ الشَّلَل‏:‏ قطعها، وليس بصحيح، يقال‏:‏ شَلَّتْ يده تَشَلُّ شَلَلاً، فهي شَلاءً‏.‏ وماضيه مكسور، ولا يجوز شلت بضم الشين، إلا في لغة قليلة، حكاها اللحياني في «نوادره» والطرز في «شرحه» عن ثعلب، عن ابن الأعرابي‏.‏

«ولا عين صحيحة بقائمة» العين القائمة‏:‏ هي الباقية في موضعها صحيحة، وإنما ذهب نظرها وإبصارها‏.‏

«ولا ذكر فحل» الفَحْل‏:‏ غير الخصِيّ، والفحل ضد الإنثى‏.‏

«مارن الاشم بمارن الاخشم، والمخروم، والمستحشف، الأشَم‏:‏ المرتفع الأنف، وقد استعمله هنا بإزاء الصحيح الشم‏.‏

والأخشم‏:‏ الذي لا يجد ريح شيء، وهو في الأنف‏:‏ بمنزلة الصم في الأذن‏.‏

والمخروم‏:‏ المقطوع وترةُ أنفه، وهو‏:‏ حجاب ما بين المَنْخِريْن، أو طرف الأنف ولم يبلغ الجَدْع‏.‏

والمُسْتَحْشَف‏:‏ مستفعل من الحَشَفِ وهو‏:‏ أرْدَأ التمر معروف، أو من الحشف‏:‏ الضرّع البالي‏.‏

والحَشَفُ من الثياب‏:‏ الخَلَق‏.‏

«حتى ييأس» بضم الياء الأولى، وسكون الثانية، وبعدها همزة مفتوحة، مبني للمفعول، أي‏:‏ انقطع الأمل من عودها‏.‏

«بالمساحة» قال الجوهري‏:‏ ومَسَحَ الأرض مَساحةً‏:‏ ذَرَعَها، ومسحاً أيضاً، عن السعدي‏.‏

«ويتحاملوا عليها» قال الجوهري‏:‏ تحامل عليه، أي‏:‏ مال عليه، وتحاملت على نفسي، أي‏:‏ تكلفت الشيء على مشقة‏.‏

كتاب الديات

الدِّيات‏:‏ جمع، واحدتها‏:‏ دِيَةٌ، مخففة‏.‏

وأصلها‏:‏ وِدْيَةٌ، والهاء بدل من الواو، تقول‏:‏ ودَيْتُ القتيل أَدِيه دِيَةً‏:‏ إذا أعطيت دِيَتَه، واتدَّيْت‏:‏ إذا أخذت الدية، وتقول‏:‏ دِ القتيل‏:‏ إذا أَمَرْت، فالدية في الأصل مصدر، ثم سمي بها المال المؤدّى إلى المجني عليه، أو إلى أوليائه، كالخلْق بمعنى المخلوق‏.‏

«ألقى على انسان أفعى» الأفعى‏:‏ حَيَّة معروفة، والأكثرون على صرفها كعصاً، ورحىً، وقد حكي منع صرفها، لما فيها من وزن الفعل، وشبَهَها بالمشتق، وهو تصوير إيذائها‏.‏

«فعثر به» تقدم في الغصبن‏.‏

«فأصابته صاعقة» قال الجوهري‏:‏ الصاعقة‏:‏ نار تسقط من السماء في رعد شديد‏.‏ يقال‏:‏ صعقتهم السماء‏:‏ أَلقت عليهم الصَّاعِقة، والصاعقة أيضاً‏:‏ صيحة العذاب، وأصعقتهم لغة، حكاها السعدي‏.‏

«بمنجنيق» هو‏:‏ الآلة المعروفة، قال أبو منصور في كتاب «المعرب» اختلف فيه أهل العربية، فقال قوم‏:‏ ميمه زائدة، وقيل‏:‏ أصلية، ويقال‏:‏ بفتح الميم وكسرها، وقيل‏:‏ الميم والنون في أوله زائدتان، وقيل‏:‏ أصليتان، وهو أعجمي معرب، وحكى الفراء‏:‏ منجنوق بالواو، وحكى غيره‏:‏ منجليق، وقد جنق المنجنيق، ويقال‏:‏ جنّق

«فخر عليه» خر الشيء يَخِرُّ ويخُرُّ بكسر الخاء وضمها، أي‏:‏ سقط‏.‏

«من هلكة» بفتح الهاء واللام، أي‏:‏ من هلاك، يقال‏:‏ هَلَكَ يَهلكُ‏.‏

«فأجهضت جنينها» قال أهل اللغة‏:‏ أجهضت الناقة‏:‏ ألقت ولدها قبل تمامه، وجهضه، وأجهضه عليه‏:‏ إذا غلبه، ثم استعمل الاجهاض في غير الناقة‏.‏

باب مقادير ديات النفس

المقادير‏:‏ واحدها مقدار، وهو‏:‏ مَبلَغُ الشيء وقدْرُه‏.‏

«وأربعون خلفة» الخَلِفة‏:‏ بفتح أوله وكسر ثانيه‏:‏ الناقة الحامل، والجمع‏:‏ خَلِفٌ، وخَلِفَاتٌ‏.‏

«والوثني» الوثن‏:‏ عابد الوثن، وهو‏:‏ الصنم، قاله الجوهري‏.‏

وقال غيره‏:‏ الوثن‏:‏ ماله جثة معمولة من جواهر الأرض، أو من الخشب والحجارة، كصورة الآدمي‏.‏

والصنم‏:‏ الصورة بلا جثة‏.‏

«ومن لم تبلغه الدعوة» الدعوة، بفتح الدال‏:‏ المرة من دعا، والمراد هنا‏:‏ دعوة الإسلام‏.‏

«غرة عبد» الغُرَّة‏:‏ العبد نفسه، أو الأمة‏.‏ وأصل الغرة‏:‏ البياض في وجه الفرس، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول‏:‏ الغرّة‏:‏ عبد أبيض، أو أمة بيضاء، وليس البياض شرطاً عند الفقهاء‏.‏ والجيد تنوين «غُرَّة»، و«عَبْدٌ» بدل من غُرَّةٍ، ولا يجوز الاضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع، فإن الغُرَّة‏:‏ أول الشيء، وخياره، والعبد، والأمة، وبياض في وجه الفرس‏.‏ فإذا قال‏:‏ في الجنين غرة، احتمل كل واحد منها، فإذا قال‏:‏ غرة عبد، تخصصت الغرة بالعبد‏.‏

باب ديات الأعضاء ومنافعها

الديات‏:‏ جمع دِيَةٍ، وقد ذكّرت، وكذلك الأعضاء ومنافعها، واحدتها‏:‏ منفعة وهي‏:‏ اسم مصدر من نفعني كذا نفعاً، فالأعضاء كالعينين، والأذنين، ومنافعها كالبصر والسمع ونحو ذلك‏.‏

«وثندوتي الرجل» الثَّنْدُوَة‏:‏ بوزن تَرْقَوَة غير مهموز، وهو‏:‏ مَغْرز الثدي، فإذا ضمت، همزت، فقلت‏:‏ ثُنْدُؤَة، ووزنها مفعلة، ووزنها على الفتح وترك الهمز «فعلُلة»‏.‏

«وإسكتي المرأة» الاسكتان‏:‏ بكسر الهمزة وفتحها‏:‏ شُفر الرحم، وقيل‏:‏ جانباه مما يلي شُفريه، والجمع‏:‏ إسْكٍ وإسَك بسكون السين وفتحها، كله عن ابن سيده‏.‏

«وفي المنخرين» واحدهما‏:‏ منخر بفتح الميم، كمسجد، وقد تكسر ميمه إتباعاً لكسرة الخاء، والمنخور‏:‏ لغة فيه، وهو ثقب الأنف‏.‏

«ممن ثغر» ثغر الصبي‏:‏ إذا سقطت رواضعه، وثَغر، وأَثغر‏:‏ دق فمه، عن ابن سيده‏.‏

«وحلمتي الثديين» الحلمتان‏:‏ رأسا الثديين‏.‏

«جدعاً» نصب على التمييز، وهو مصدر‏:‏ جدعه‏:‏ قطعه‏.‏

«عوجهما» بتشديد الواو، يقال‏:‏ عاج الشيء، وعَوَّجه‏:‏ عطفه‏.‏

«وفي كل حاسة» الحاسَّة‏:‏ واحدة الحواسَّ، قال الجوهري‏:‏ الحواسُّ‏:‏ المشاعر الخمس‏:‏ السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللَّمس‏.‏

«ويجب في الحدب والصعر» الحَدَبُ بفتح الحاء والدال‏:‏ مصدر حدب بكسر الدال‏:‏ إذا صار أحْدَبَ، وأحدبه الله تعالى‏.‏ والحدبة‏:‏ بوزن خشبة‏:‏ المعروفة في الظهر‏.‏ والصَّعر‏:‏ بوزن الحدب، وقد فسره المصنف رحمه الله تعالى بقوله‏:‏ أن يَصْرِبه، فيصير الوجه في جانب‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ الصَّعَر‏:‏ الميل في الخد خاصة‏.‏

«دون الشفوية» الشَّفَوية‏:‏ نسبة إلى الشَّفَة، وأصلها شفهة، وفي النسب إليها وجهان‏.‏ أحدهما‏:‏ شِفِّيٌ على اللفظ، كذِمِّيٍّ‏.‏ والثاني‏:‏ شَفَهِيٌ على الأصل، فأما شَفويٌ، فلم أر له وجهاً‏.‏

«تمتمة» قال السعدي‏:‏ التَّمْتَمةُ‏:‏ أن تَثْقُل التاء على المتكلم‏.‏ يقال‏:‏ رجل تَمْتَام‏:‏ إذا كان ذلك‏.‏

هذا قول ابن دريد، وقال الخليل‏:‏ التَّمْتَام‏:‏ الذي يخطىء الحرف، فيرجع إلى لفظ، كأنه التاء‏.‏

«أو تقلست شفته» قال الجوهري‏:‏ تقلصت شفته، أي‏:‏ انزوت، وقلص الشيء وقَلّص، وتَقَلص، كله بمعنى‏:‏ انضم وانزوى‏.‏ وقلص الشيء وتقلص، يرتفع، فأما بالسين، فلم أقف عليه‏.‏

«وإن كسر صلبه» الصلب‏:‏ الظهر، وقال ابن فارس‏:‏ وكذلك الصَّلَب بوزن فرس، وقال الجوهري‏:‏ الصُّلْبُ‏:‏ من الظهر، وكلِّ شيء فيه فقارٌ، فذلك الصُّلْب‏.‏

«وأَهداب العينين» الأهداب، واحدها‏:‏ هُدْبٌ بوزن قُفْلٍ‏:‏ ما نبت من الشعر على أشفار العين‏.‏

«فالتحم» يقال‏:‏ لحمت الشيء فالتحم، أي‏:‏ لأمته فالتأم‏:‏ إذا اتصل لحمه بعضه ببعض، فصار شيئاً واحداً‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الشجاج وكسر العظام

الشِّجَاج‏:‏ جمع شَجَّة وهي‏:‏ المرَّة من شَجَّه يُشُجُّهُ ويَشِجُّهُ شجّاً، والمرة، الشَّجَّة، فهو مشجوج، وشجيج‏:‏ إذا جرحه في رأسه أو وجهه، وقد يستعمل في غير ذلك من الأعضاء‏.‏

«الحارصة» الحارصة‏:‏ بالحاء والصاد المهملتين‏.‏

قال الأزهري‏:‏ وهي التي تحرص الجلد، أي‏:‏ تشقه قليلاً، ومنه‏:‏ حرص القصار الثوب، أي‏:‏ خرقه بالدق‏.‏

«ثم البازلة» البازلة‏:‏ فاعلة من بذلت الشجة الجلد، أي‏:‏ شقته فجرى الدم‏.‏ ويقال‏:‏ بزلت الخمر‏:‏ نقبت إناءها فاستخرجها، فالدم محبوس في محله، كالمائع في وعائه، والشجة بزلته‏.‏

«ثم الباضعة» قال الجوهري‏:‏ الباضعة‏:‏ الشجة التي تقطع الجلد، وتشق اللحم، إلا أنه لا يسيل الدم، فإن سال، فهي الدامية، وكذلك قال ابن فارس‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ أول الشجاج‏:‏ الحارصة، ثم الدامعة، يعني‏:‏ بالعين المهملة، ثم الدامية، ثم الباضعة‏.‏

«ثم السمحاق» قال الأزهري‏:‏ السِّمْحاق‏:‏ قشرة رقيقة فوق عظم الرأس، وبها سميت الشجة إذا وصلت إليها‏:‏ سمحاقاً، وميمه زائدة‏.‏

«أولها الموضحة» الموضِحَة‏:‏ التي تبدي وضح العظم، أي‏:‏ بياضه، والجمع‏:‏ المواضح‏.‏

«ثم الهاشمة» قال الأزهري‏:‏ الهاشمة‏:‏ التي تهشم العظم، تصيبه وتكسره‏.‏

وكان ابن الأعرابي يجعل بعد الموضحة المقرِّشة، وهي‏:‏ التي يصير منها في العظم صديع، مثل الشعرة، ويلمس باللسان لخفائه‏.‏

«وفي الجائفة» الجائفة‏:‏ الطعنة التي تبلغ الجوف، قال أبو عبيد‏:‏ وقد تكون التي تخالط الجوف والتي تنفذ أيضاً، وجافه بالطعنة، وأجافه‏:‏ بلغ بها جوفه‏.‏

«وفي الضلع بعير» الضلع، بكسر الضاد وفتح اللام وتسكينها لغة‏:‏ واحد الضلوع المعروفة‏.‏

«وفي الترقوتين» التَّرْقُوتَان‏:‏ واحدتهما تَرقُوَة، وهي‏:‏ العظم الذي بين ثغرة النحر، والعاتق، وزنها «فَعْلُوةٌ» بالفتح، قال الجوهري‏:‏ ولا تقل‏:‏ «تُرْقُوَة» بالضم‏.‏

«والزند» الزَّنْد‏:‏ بفتح الزاي‏:‏ ما انحسر عنه اللحم من الساعد، وقال الجوهري‏:‏ الزند‏:‏ موصل طرف الذراع بالكف، وهما زندان بالكوع‏.‏

والكُرْسُوع، وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر، وهو‏:‏ الناتىء عند الرُّسْغ‏.‏

«مثل خرزة الصلب والعصعص» خرزة الصلب، واحده‏:‏ خرزة وهي‏:‏ فقاره، والعصعص بضم العينين من عَجْب الذنب، وهو‏:‏ العظم الذي في أسفل الصّلب عند العجز، وهو‏:‏ العسيب من الدواب‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

باب العاقلة

العاقلة‏:‏ صفة موصوف محذوف، أي‏:‏ الجماعة العاقلة‏.‏ يقال‏:‏ عقل القتيل فهو عاقل‏:‏ إذا غرم ديته، والجماعة‏:‏ عاقلة، وسميت بذلك، لأن الإبل تجمع، فتعقل بفناء أولياء المقتول، أي‏:‏ تشد في عقلها لتسلم إليهم ويقبضوها، ولذلك سميت الدِّيَةُ عقْلاً، وقيل‏:‏ سميت بذلك، لإعطائها العقل الذي هو الدية، وقيل‏:‏ سموا لذلك، لكونهم يمنعون عن القتال، وقيل‏:‏ لأنهم يمنعون من يحملونها عنه من الجناية، لعلمهم بحملها‏.‏ والله أعلم‏.‏

«وزع» أي‏:‏ قسم وفرَّق‏.‏

«الجرح» يجوز الفتح باعتبار الفعل، والضم باعتبار الموضع المجروح‏.‏

باب القسامة

القسامة، بالفتح‏:‏ اليمين، كالقسم بالله تعالى يقال‏:‏ إنما سمي القَسْمُ قَسْماً، لأنها تقسم على أولياء الدم، ويقال‏:‏ أقسم الرجل‏:‏ إذا حلف، وقد فسرها المصنف رحمه الله‏.‏

«فأما الجراح» الجِراح‏:‏ مصدر جَارَحَه جراحاً، ولذلك ذكَّر ضميره فقيل‏:‏ فلا قَسَامَة فيه، ولم يقل‏:‏ فيها، ويحتمل أن يكون جمع جِراحة‏.‏ وتذكيره على تأويله بمذكر، لأنه مذكور شيء ونحوها‏.‏

«بثأر» الثأر مهموزاً، قال الجوهري، وغيره‏:‏ الثأر‏:‏ الذّحل، قال أبو السعادات‏:‏ والذَّحل‏:‏ الوتِر، وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل، أو جرح، ونحو ذلك، والذّحل‏:‏ العداوة أيضاً، والله تعالى أعلم‏.‏

«ملطخ» بفتح اللام وتشديد الطاء‏:‏ اسم مفعول من لطخه، ولا يجوز التخفيف، لأنه لا يقال‏:‏ ألطخه‏.‏

كتاب الحدود

الحدود‏:‏ جمع حد، وهو في الأصل‏:‏ المنع، والفصل بين شيئين‏.‏ وحدود الله تعالى‏:‏ محارمه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ الله فلا تَقْرَبوها‏}‏ وحدود الله تعالى أيضاً‏:‏ ما حَدَّهُ وَقدَّره؛ فلا يجوز أن يتعدى، كالمواريث المعيَّنَة، وتزوج الأربع، ونحو ذلك مما حدّه الشرع، فلا يجوز فيه الزيادة ولا النقصان‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ الله فلاَ تَعْتَدُوها‏}‏ والحدود‏:‏ العقوبات المقدرة، يجوز أن تكون سميت بذلك من الحد‏:‏ المنع؛ لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وأن تكون سميت بالحدود التي هي المحارم، لكونها زواجر عنها، أو بالحدود التي هي المقدرات، لكونها مقدرة، لا يجوز فيها الزيادة، ولا النقصان‏.‏

«ولا خلق» الخلَق‏:‏ بفتح اللام‏:‏ البالي‏.‏ وهو مصدر في الأصل‏.‏

«بالجريد» الجريد‏:‏ واحدتها جريدة، وهي‏:‏ السعفَة‏.‏

«والعثكول» العُثْكُول بوزن عُصْفُور، والعِثْكال بوزن مِفْتاح‏:‏ كلاهما‏:‏ الشُّمراخ، وهو في النخل بمنزلة العُنْقُود في الكلام، والله تعالى أعلم‏.‏

باب حد الزنى

قال الجوهري‏:‏ الزنى‏:‏ يمد، ويقصر، فالقصر لأهل الحجاز، والمد لأهل نجد، وأنشد ابن سيده‏:‏

أمَّا الزِّناءُ فإني لَسْتُ قارِبهُ

والمال بيني وبين الخمر نصفان

وقال المصنف رحمه الله تعالى‏:‏ لا خلاف بين أهل العلم في أنَّ من وطىء المرأة في قبلها حراماً، لا شبهة له في وطئها أنه زانٍ، عليه حد الزنا إذا كملت شروطه، والوطء في الدبر مثله في كونه زناً‏.‏ قال الخرقي‏:‏ الزاني‏:‏ من أتى الفاحشة من قبل، أو دبُرٍ‏.‏

«والمحصن» المحصن بكسر الصاد‏:‏ اسم فاعد من أَحْصَنَ‏.‏ يقال‏:‏ حَصَنَتِ المرأة بفتح الصاد وضمها وكسرها‏:‏ تمنَّعت عما لا يحل، وأحصنت فهي محصنة بكسر الصاد، ومحصنة بفتحها، وهو أحد ما جاء بالفتح بمعنى فاعل‏.‏ يقال‏:‏ أحْصَنَ الرجل فهو مُحصَن، وألفج، فهو مفلج‏:‏ افتقر، وأسهَب فهو مُسهَب‏:‏ أكثر الكلام‏.‏ وأحصَنت المرأة زوجها فهو محصَن، وأَحصَنها زوجها فهي محصنة‏.‏ وقد جاء الإحصان بمعنى الإسلام، والحرية، والعفاف، والتزويج‏.‏ والمحصن في حد الزنا‏:‏ غير المحصن في باب القذف‏.‏

«وغرّب عاماً» غُرب، أي‏:‏ نُفِيَ من البلد الذي وقعت في الجناية‏.‏ ياقل‏:‏ غرب الرجل بفتح الراء‏:‏ بعد، وغربته وأَغربته‏:‏ بعدته ونحيته‏.‏

«وحد اللوطيِّ» اللوطي‏:‏ منسوب إلى لوط النبي ـ عليه السلام ـ والمراد به‏:‏ من يعمل عمل قومه الذين أرسل إليهم، ولهم صفات مذمومة، أشهرها وأقبحها إتيان الذكور في الدبر، وهو المراد هنا، يقال‏:‏ لاط ولاوط‏:‏ عمِل عمل قوم لوط‏.‏

«ببادية» البادية، والبدوُ‏:‏ خلاف الحاضرة، عن ابن سيده، والبداوة بكسر الباء وبفتحها‏:‏ الخروج إلى البادية‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب القذف

أصل القذف‏:‏ رَمْيُ الشيء بقوة، ثم استعمل في الرمي بالزنا ونحوه من المكروها‏.‏ يقال‏:‏ قذف يقذف قذفاً، فهو قاذف، وجمعه‏:‏ قُذَّاف، وقَذَقَة‏.‏ كفساق وفسقة، وكفارٍ وكفرة‏.‏

«أو استفاض زناها» استفاض‏:‏ استفعل، من فاض الخبر يفيض‏:‏ إذا شاع وانتشر في الناس فهو مستفيض، ولا يقال‏:‏ مستفاض، إلا على لغة قليلة‏.‏

«يعرف بالفجور» الفجور‏:‏ مصدر فجر يفجر فجوراً‏:‏ إذا انبعث في المعاصي والمحارم‏.‏

«يا عاهر» العاهر‏:‏ اسم فاعل من عهر‏:‏ إذا أتى المرأة ليلاً، للفجور بها، ثم غلب، فصال العاهر‏:‏ الزاني مطلقاً، وقال السعدي‏:‏ عهر بها عهراً‏:‏ فجر بها ليلاً‏.‏

«أو يا معفوج» المعفوج‏:‏ مفعول، من عفج، بمعنى‏:‏ نكح، فكأنه بمعنى منكوح، أي‏:‏ موطوء، ونص الإمام أحد على وجوب الحد بذلك‏.‏

«زنأت في الجبل» زنأ بالهمز، بمعنى‏:‏ صعد، وبمعنى‏:‏ ضيق، وبمعنى‏:‏ ضاق، وبمعنى‏:‏ قصر، وبمعنى‏:‏ لصق، وبمعنى‏:‏ لجأ‏.‏

«فضحته» قال الجوهري‏:‏ فضحه فافتضح‏:‏ إذا انكشف مساويه‏.‏

«نكست رأسه» أي‏:‏ قلبته، وطأطأته، قال الجوهري‏.‏

«يا قحبة يا خبيثة» القحبة‏:‏ الفاجرة، عن ابن سيده، قال‏:‏ وأصلها من السعال، أرادوا أنها تسعل أو تتنحنح، ترمز بذلك‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ كلمة مولَّدة، قال السعدي‏:‏ قحَب البعير والكلب‏:‏ سعل، واللئيم في لؤمه، ومنه القحبة، وهي في عرف زماننا‏:‏ المعدّة للزنا‏.‏

«والخبيثة‏:‏ صفة مشبهة من خبث الشيء، فهو خبيث‏:‏ ضد طيب، ولحقته التاء، لأنه بمعنى فاعل، وما كان من فعيل بمعنى مفعول، كقتيل لم تلحقه التاء إلا سماعاً، كخصلة ذميمة‏.‏

«نا نبطيّ يا فارسي يا رومي» النبطي‏:‏ منسوب إلى النبط والنَّبيط، وهم‏:‏ قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، والجمع‏:‏ أنباط، ورجل نبطي ونباطي ونباط، كيمني ويمانيِّ ويمانٍ‏.‏

والفارسي‏:‏ منسوب إلى فارس، وهي‏:‏ بلاد معروفة، وأهلها‏:‏ الفرس، وفارس أبوهم‏.‏

والرومي‏:‏ نسبة إلى الروم، هذا الجيل من الناس، والروم في الأصل‏:‏ هو الروم بن عيصو، بن اسحاق بن ابراهيم عليهما السلام، فإذا قال ذلك لعربي، فقد نفاه عن نسبه‏.‏

«إذا طالبوا أو واحد منهم» واحد معطوف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصل، ولا توكيد، وهو ممتنع عند أكثر النحويين، وجائز عند بعضهم على ضعف ما هو مستقصى في كتب النحو، والله أعلم‏.‏

باب حد المسكر

المسكر‏:‏ اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر‏:‏ إذا جعل شاربه سكران، أو كانت فيه قوة تفعل ذلك، قال الجوهري‏:‏ السكران‏:‏ خلاف الصاحي، والجمع‏:‏ سكرى، وسكارى، بضم السين وفتحها، والمرأة سكرى، ولغة بني أسد سكرانة، وقد سكر يسكر سكراً، مثل‏:‏ بطر يبطر بطراً، والاسم‏:‏ السُّكَّر بالضم‏.‏ قال السامري صاحب «المستوعب»‏:‏ والسكر الذي تترتب عليه أحكام السكران كلها‏:‏ هو الذي يجعل صاحبه يخلط في كلامه ولا يعرف ثوبه من ثوب غيره، ولا نعله من نعل غيره، وقال ابن عقيل‏:‏ المعتبر أن يخلط في كلامه، وكذلك ذكر ابن البنا‏:‏ أنه لا يعتبر تمييزة السماء من الأرض، والرجل من المرأة‏.‏

«والعصير» العصير‏:‏ فعيل بمعنى مفعول، أي‏:‏ المعصور من ماء العنب‏.‏

«إلا أن يغلي قبل ذلك» يقال‏:‏ غلت القدر تغلي‏:‏ إذا ارتفع ماؤها من شدة التسخين‏.‏

فغليان العصير‏:‏ تحركه في وعائه واضطرابه، كما تغلي القدر على النار‏.‏

«في الدُّباء والحنتم والنَّقير والمزفَّت» القَرعة اليابسة المجعولة وعاءً‏.‏

والحنتم‏:‏ جِرارٌ مدهونة، واحدتها‏:‏ حنتمة‏.‏

والنَّقِير‏:‏ فعيل بمعنى مفعول، وهو أصل النخلة، ينقر ثم ينبذ فيه التمر‏.‏

والمزفت‏:‏ الوعاء المطليّ بالزفت، نوع من القار‏.‏

«ولا بأس بالفقاع» قال ابن فارس‏:‏ الفُقَّاع‏:‏ الذي يشرب، قال ابن سيده‏:‏ الفقاع‏:‏ شراب يتخذ من الشعير، سمي بذلك، لما يعلوه من الزبد، وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل أنه سمي فُقَّاعاً، لما يعلو على رأسه، كالزبد والفقاقيع، كالقوارير فوق الماء، وقال الجوهري‏:‏ نفاخات فوق الماء‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

باب التعزير

التعزير في اللغة‏:‏ المنع، يقال‏:‏ عَزرْتْهُ وعزَّرْتْهُ‏:‏ إذا منعته، ومنه سمي التأديب الذي دون الحد‏:‏ تعزيراً، لأنه يمنع الجاني من معاودة الذنب، وقال السعدي‏:‏ يقال‏:‏ عَزَّرْته‏:‏ وقَّرته، وأيضاً أدَّبته، وهو من الأضداد‏.‏

باب القطع في السرقة

يقال‏:‏ سَرَق يسْرِق سَرَقاً وسَرِقاً وسَرِقَةً فهو سارق‏.‏ والشيء مسروق، وصاحبه مسروق منه‏.‏

«وعلى منتهب ولا مختلس» المُنْتَهِب‏:‏ اسم فاعل من انتهب الشيء‏:‏ إذا استلبه، ولم يختلسه‏.‏

والمختلس‏:‏ اسم فاعل من اختلس الشيء‏:‏ إذا اختطفه، عن ابن فارس، وقال السعدي‏:‏ خلس الشيء‏:‏ استلبه، والاسم‏:‏ الخُلْسَة‏.‏

«ويقطع الطرار» وهو‏:‏ الذي يَبُطُّ الجيب، الطَّرار‏:‏ فَعَّالٌ من طَرَّ الشيء فهو طارّ، وطرّار للتكثير، ولا يشترط هنا التكثير، بل لو فعل هذا مرة، فهو طَرّار، له حكمه، وقال السعدي‏:‏ طَرّ الشيء‏:‏ اختلسه، ويَبُطّ، أي‏:‏ يشق، ومنه بَطَّ القرحة‏:‏ إذا شقها‏.‏

«هتك» الهتك‏:‏ خرق الستر عما وراءه‏.‏

«إلى باب النقب» النقب‏:‏ مصدر نقب الشيء نقباً‏:‏ خرقه، واسم المكان المخروق أيضاً‏:‏ نَقْب، والنَّقب‏:‏ الطريق في الجبل‏.‏

«يخرجه من الحرز» قال الجوهري‏:‏ الحِرز‏:‏ الموضع الحَصين‏.‏ يقال‏:‏ هذا حِرْزٌ، وحَرِيزٌ، واحتَرَزْتُ من كذا، وَتحرَّزْتُ منه، أي‏:‏ توقيته‏.‏

«والاغلاق الوثيقة» واحد الاغلاق غلق، بوزن فرس‏.‏ المغلاق‏:‏ وهو ما يغلق به الباب، وكأنه ـ والله أعلم ـ اسم للقفل خشباً كان، أو حديداً‏.‏

«وراء الشرائج» واحدتها‏:‏ شريجة، قال الجوهري‏:‏ الشريجة‏:‏ القوس تتخذ من الشريج، وهو العود الذي يشق فلقتين، والشريجة‏:‏ شيء ينسج من سَعَفِ النخل يحمل فيه البطيخ ونحوه، هذا آخر كلامه‏.‏ والشريجة أيضاً في زماننا‏:‏ قصب أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره‏.‏

«الحظائر» واحدتها‏:‏ حظيرة، وهي‏:‏ ما يعمل للابل والغنم من الشجر تأوي إليه، وأصل الحظر في اللغة‏:‏ المنع‏.‏

«وحرز المواشي الصِّيرَ» صِيرَة، وهي حظيرة الغنم، كسِيرةٍ وسِيَرٍ‏.‏

«بتقطيرها» تقطيرها‏:‏ مصدر قطرها‏:‏ إذا جعلها قطاراً‏.‏

«رتاج الكعبة» قال الجوهري‏:‏ الرَّتَجُ، والرِّتاجُ‏:‏ الباب العظيم، ومنه رِتاج الكعبة، ويقال‏:‏ رتج الباب، وأرتجه‏:‏ إذا أغلقه، وأُرْتِجَ على القاري‏:‏ إذا لم يفدر على القراءة‏.‏

«أو تأزيره» التَّأزير‏:‏ مصدر أزَّره بتشديد الزاي‏:‏ إذا جعل له إزاراً، ثم أُطلق على ما يجعل إزاراً، من تسمية المفعول بالمصدر، فتأزير المسجد‏:‏ ما جعل على أسفل حائطه من لبَّاد، أو دفوف، ونحو ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب حد المحاربين

واحد المحاربين‏:‏ محارب، وهو‏:‏ اسم فاعل من حارب، وهو فاعل من الحرب، قال ابن فارس‏:‏ الحرب‏:‏ اشتقاقها من الحرَب، يعني‏:‏ بفتح الراء‏.‏ وهو مصدر حَرَبَ ماله، أي‏:‏ سلبه، والحَرِيبُ‏:‏ المحروب، ورجل، مِحْرَبٌ أي‏:‏ شجاع‏.‏

«فيغصبونهم المال» يقال‏:‏ غَصَبْت المال، فيتعدى إلى مفعول واحد، فالضمير المنصوب في «يغصبونهم» مفعول، والمال بدل منه، والتقدير‏:‏ فيغصبون مالهم‏.‏

«حتماً» مصدر حتم الشيء‏:‏ إذا أوجبه، وإذا قضاه، وإذا أحكمه، ونصبه على أنه صفة مصدر محذوف، قتلاً حتْماً، أي‏:‏ مُتَحتِّماً‏.‏

«وصلب» أي‏:‏ رفع على جِذْعٍ، أو نحوه‏.‏

«وحكم الردء» الرِّدْءُ‏:‏ مهموزاً بوزن علم‏:‏ المُعِين، وهو العون أيضاً، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأرْسِلْهُ مَعيَ رِدْءاً يُصَدِّقُني‏}‏ أي‏:‏ مُعِيناً‏.‏

«وشرد» شُرِدَ، أي‏:‏ طرد‏.‏ قال الجوهري‏:‏ التشريد‏:‏ الطرد، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَشَرِّدْ بِهِم‏}‏‏.‏ أي‏:‏ فرق وبدد شملهم‏.‏ والشريد‏:‏ الطَّرِيد‏.‏

«بما يردعه» أي‏:‏ يكُفُّه‏.‏

«من خصاص الباب» خصاص الباب‏:‏ الفرج التي فيه، واحدتها‏:‏ خَصَاصَة‏.‏

«ففقأها» بالهمز، أي‏:‏ أطفأ نورها‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب قتال أهل البغي

البغي‏:‏ مصدر بغي يبغي بغياً‏:‏ إذا تعدى‏.‏ وأهل البغي هنا‏:‏ هم الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام، المعتدون عليه‏.‏

«منعة وشوكة» منعة‏:‏ تقدم فيما يلزم الجيش‏.‏

والشوكة‏:‏ السلاح، وشاك الرجل‏:‏ ظهرت شوكته‏.‏

«ما ينقمون» يقال‏:‏ نقم بفتح القاف ينقم بكسرها، وبالعكس فيهما، أي‏:‏ ما يعيبون ويكرهون‏.‏

«مكيدة» هو مفعلة من كاد‏:‏ إذا مكر واحتال، أي‏:‏ إن ظنَّ أنّ فعلتهم مكيدة‏.‏

«وكراعهم» أي‏:‏ خيلهم‏.‏

«ولا يجاز على جريح» أي‏:‏ لا يقتل‏.‏ قال السعدي‏:‏ وأجاز عليه‏:‏ قتله‏.‏ وجهز على الجريح وأَجهز‏:‏ أسرع قتله‏.‏

«الخوارج» واحده‏:‏ خارجة، أي‏:‏ طائفة خارجة، ولا يجوز أن يكون واحده خارجاً، لأنه ليس مما سمع جمعه على خوارج، وهم الحرورية الخارجون على عليٍّ ـ رضى الله عنه ـ واستحلوا دمه، ودم أصحابه، وكانوا متشددين في الدين تشدداً زائداً‏.‏

«لعصبية» أي‏:‏ لتعصب ومحاماة ومدافعة‏.‏

«أو طلب رئاسة» الرئاسة‏:‏ مصدر رأَس الإنسان‏:‏ صار رئيساً، أي‏:‏ كبير قومه مطاعاً فيهم‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب حكم المرتد

المرتد لغة‏:‏ الراجع، يقال‏:‏ ارتد فهو مرتد‏:‏ إذا رجع، والمرتد شرعاً‏:‏ هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر‏.‏

«جحد ربوبيته» رُبوبيَّةُ الله تعالى‏:‏ اتصافه بكونه رباً، كالرجوليّة‏.‏ ووَحْدَانِيَّتُه‏:‏ اتصافه بكونه واحداً سبحانه وتعالى‏.‏

«أو سب الله تعالى» السَّب، بفتح السين‏:‏ الشتم وقد سبه يسبه سبّاً‏:‏ إذا شتمه‏.‏

توبة الزنديق» الزنديق‏:‏ فارسي معرب، وجمعه زنادقة‏.‏ قال سبيويه‏:‏ الهاء في «زنادقة» بدل من ياء «زنديق» وقال الجوهري‏:‏ وقد تزندق، والاسم‏:‏ الزندقة، قال ثعلب‏:‏ ليس زنديق، ولا فرزيق، من كلام العرب، إنما يقولون‏:‏ زندق وزندقي‏:‏ إذا كان شديد البخل‏.‏ قال المصنف رحمه الله في «المغني»‏:‏ والزنديق‏:‏ هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، كان يسمى منافقاً‏.‏ ويسمى اليوم زنديقاً‏.‏

«خاصة» منصوب على أنه صفة مصدر محذوف، أي‏:‏ بِعْثَة خاصة، لا عامة‏.‏

«يركب المكنسة» هي بكسر الميم‏:‏ ما يكنس به‏.‏

«يعزم على الجن» يعزم، أي‏:‏ يقرأ العزائم، قال ابن فارس‏:‏ العزائم‏:‏ الآيات تقرأ على المريض يرجى بركتها، وقال الجوهري‏:‏ العزائم‏:‏ الرُّقى‏.‏ والله أعلم‏.‏

كتاب الأطعمة

الأطعمة‏:‏ جمع طعام‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الطعام‏:‏ ما يؤكل، وربما خص به البُرُّ‏:‏ والأطعمة‏:‏ جمع قلة، لكنه بتعريفه بالألف واللام أفاد العموم‏.‏

«من السموم» السموم‏:‏ جمع سُم بضم السين وفتحها وكسرها، ويجمع على سمام أيضاً وهو القاتل، وغيره مما فيه مَضَرَّة‏.‏

«يفرس به» بكسر الراء، أي‏:‏ يكسر به الفريسة‏.‏

«والنمر والذئب» النَّمِر‏:‏ بفتح أوله وكسر ثانيه ويجوز إسكان الميم مع فتح النون وكسرها‏.‏ والذئب‏:‏ بالهمز بوزن علم‏.‏

«وابن آوى» بقطع الهمزة مفتوحة بوزن «غالي» حيوان معروف‏.‏ قال الجوهري‏:‏ يسمى بالفارسية «شِغَال» وجمعه‏:‏ بنات آوى‏.‏ وآوى لا ينصرف، لأنه أفعل، وهو معرفة‏.‏

«وما له مخلب» المخلب‏:‏ بكسر الميم للطائر والسِّياع بمنزلة الظفر للإنسان، قاله الجوهري‏.‏

«كالعقاب» هو طائر من العتاق، مؤنثة يقع على الذكر والأنثى، والجمع‏:‏ أَعْقُبٌ وأعقبة وعِقْبان، وعقابين جمع الجمع‏.‏

«والبازي» البازي معروف، وفيه ثلاث لغات‏:‏ البازي، بوزن القاضي، وهي فصحاهن، والبَازْ، حكاها الجوهري‏.‏ والبازي‏:‏ بتشديد الياء حكاها أبو حفص الحميدي‏.‏

«القنفذ» القُنْفُذ‏:‏ حيوان معروف بضم القاف وفتحها، حكاهما الجوهري‏.‏ قال‏:‏ والأنثى قُنْفُذَة، وحكى ابن سيده‏:‏ أنه يقال بالدال والذال، وحكى صاحب «المشارق» و«المطالع» قنفظ بالظاء المعجمة، وهو غريب‏.‏

«والحشرات» الحشرات‏:‏ صغار دواب الأرض، كالضب واليعربوع‏.‏ وقيل‏:‏ هوامُّ الأرض مما لا سُمَّ له، واحدتها حشرة‏.‏

«والسمع» السِّمع‏:‏ بكسر السين ما فسره به، والسِّمع أيضاً‏:‏ الضَبُّ‏.‏

«والعسبار» العِسْبار‏:‏ ولد الذئبة من الذِّيخ‏.‏ العِسبار، بكسر العين‏.‏ والذيخ‏:‏ ذكر الضباع، الكثير الشعر‏.‏ قال الكسائي‏:‏ والأنثى ذِيخَة‏.‏ والجمع ذُيوخٌ وأَذْياخٌ وَذِيَخَة‏.‏

«والدجاج» بفتح الدال وكسرها لغة، الواحدة‏:‏ دجاجة للذكر والأنثى، ودخلته الهاء لكونه واحداً من جنس، كبطَّةٍ، وبطٍ‏.‏

«والزرافة» الزرافة‏:‏ بفتح الزاي وضمها، مخففة الفاء‏:‏ الحيوان المعروف‏.‏ والزرافة بالفتح‏:‏ الجماعة‏.‏

«إلا الضفدع» الضفدع‏:‏ بكسر الضاد والدال، وبكسر الضاد وفتح الدال، وحكى المطرز في «شرحه» ضفدع بضم الضاد وفتح الدال، ولم أر أحداً حكى ضمها‏.‏

«والتمساح» بكسر التاء‏:‏ الحيوان المعروف من دواب البحر‏.‏

«وإلا الكوسج» الكَوْسَج‏:‏ بوزن جوهر معرَّب سمكة‏:‏ في البحر له خرطوم كالمنشار وعطفه بالواو، في قوله‏:‏ «وإلا الكوسج» إيذاناً بأن ابن حامدٍ يضم إلى الثلاثة المذكورة الكوسج‏.‏

«وتحرم الجلالة» الجلالة بوزن حَمَّالة مبالغة في جَالَّةٍ، يقال‏:‏ جَلَّت الدابة الجلَّة، فهي جَالة‏.‏ والجِلَّة‏:‏ البَعْر، فوضع موضع العِذرة، لأن الجلالة في الأصل‏:‏ التي تأكل العذرة‏.‏

«ما يسد رمقه» الرَّمَق‏:‏ بوزن فرس‏:‏ بقية الروح، ويسد رمقه، أي‏:‏ يمسكه، كما يسد الشيء المنفتح‏.‏

«أو رباطاً» الرِّباط‏:‏ بكسر الراء‏:‏ واحد الرباطات المبنية المعروفة‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الذكاة

يقال‏:‏ ذكَّى الشاة ونحوها تذكية‏:‏ ذبحها، والاسم‏:‏ الذَّكاة، والمذبوح ذكيٌ، فعيل بمعنى مفعول‏.‏

«ما أَنهر الدم» الأهار‏:‏ الاسالة، والصب بكثرة، شبه خروج الدم من موضع الذبح، بجري الماء في النهر‏.‏

«أن يقطع الحلقوم» الحُلْقُوم‏:‏ قال الجوهري‏:‏ الحلقوم‏:‏ الحلق‏.‏ والمَرِيء، والودج تقدم‏.‏

«مثل أن يند البعير» ينِدُّ، بكسر النون، أي‏:‏ يَشْرُد، يقال‏:‏ نَدَّ البعير يَنِدُّ نَدًّا ونِداداً ونُدُوداً‏:‏ انفرد، وذهب على وجهه شارداً‏.‏

«أو يتردى» تَرَدَّى‏:‏ سقط في بِئْرٍ، أو تهور من جبل‏.‏ والتردي‏:‏ الهلاك أيضاً‏.‏

«كالمخنقة والنطيحة وأكيلة السبع» المخنقة‏:‏ اسم فاعل من انخنقت الشاة ونحوها فهي مخنقة‏:‏ إذا خنقها شيء فماتت‏.‏

والنطيحة‏:‏ فعيلة بمعنى‏:‏ مفعولة، أي‏:‏ منطوحة‏.‏ نطحت فماتت به‏.‏

وأكيلة السبع أيضاً، فعيلة بمعني‏:‏ مفعولة، أي‏:‏ مأكولة السبع، ودخلته الهاء، لغلبة الاسم عليه، والمراد‏:‏ ما أكل السبع بعضها، وإلا فما أكلها كلها جمعاً قد صارت معدومة، لا حكم لها‏.‏

«وهو شحم الثرب والكليتين» الثَّرْب بوزن فَلْس‏:‏ شحم قد غشي الكَرِشَ والأمعاء رقيق‏.‏

والكُلْيَتان‏:‏ واحدتهما‏:‏ كُلْيَة ـ وكُلْوة لغة ـ بضم الكاف فيهما، وهي معروفة، والجمع كليات وكلىً‏.‏

«فوجد في حوصلته حباً» الحوصَلَّة‏:‏ بتشديد اللام‏:‏ ما يصير إليه الحبُّ ونحوه من الطائر، تحت عنقه في أعلى صدره، وهي معروفة‏.‏

كتاب الصيد

الصيد في الأصل‏:‏ مصدر صاد يصيد صيداً فهو صائد، ثم أطلق الصيد على المَصِيد، تسمية للمفعول بالمصدر، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏}‏ والصيد‏:‏ ما كان ممتنعاً، حلالاً، لا مالك له‏.‏

«فأثبته» أي‏:‏ منعه من الامتناع، وحبسه عنه، من قولهم‏:‏ أثبتُّ الرجل‏:‏ سجنتُه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك‏}‏‏.‏

«زجره» أي‏:‏ حثه، وحمله على السرعة، قال الجوهري‏:‏ وزجر البعير‏:‏ إذا ساقه‏.‏

«وإن صاد بالمعراض» قال القاضي عياض في «مشارقه» المعراض‏:‏ خشبة محددة الطرف، وقيل‏:‏ فيه حديدة، وقيل‏:‏ سهم بلا ريش‏.‏

«مناجل» واحدها‏:‏ منجل بكسر الميم، وهو‏:‏ الآلة التي يحصد بها الحشيش والزرع، وميمه زائدة، من النجل، وهو‏:‏ الرمي‏.‏

«أن يكون الجرح موحياً» موحياً‏:‏ اسم فاعل من أوحى، يقال‏:‏ وحيت العمل، وأوحيته‏:‏ أسرعته، والوحا بالمد والقصر‏:‏ السرعة، فالجرح الموحي‏:‏ المسرع للموت‏.‏

«وأفلت حياً» يقال‏:‏ قلت، وأَفلت، وتفلت، بمعنى‏:‏ انفلت، وأَفلته غيره، فعلى هذه يجوز بناؤه للمفعول، فيقال‏:‏ أُفلت‏.‏

«فأبان منع عضواً» بمعنى‏:‏ أزال، يقال‏:‏ بان الشيء، وأبانه غيره‏.‏

«لأنه وقيذ» وقَيِذٌ‏:‏ فعيل بمعنى مفعول، أي‏:‏ مَوْقُوذ‏.‏ والموقوذة‏:‏ المقتولة بالخشب، قال قتادة‏:‏ كانوا في الجاهلية يضربونها بالعصا، فإذا ماتت، أكلوها‏.‏

«الأسود البهيم» البهيم‏:‏ الذي لا يخالطه لون آخر، أسود كان أو غيره، والجمع‏:‏ بُهُمٌ، كرغيف، ورغف‏.‏

«أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر» يسترسل‏:‏ يرسل‏.‏ تقول‏:‏ أرسلته فاسترسل، أي‏:‏ بعثته فانبعث‏.‏ وينزجر، أي‏:‏ ينتهي إذا نهاه، فهو من الأضداد، زجره‏:‏ حثه، وزجره‏:‏ كفه‏.‏

«أو خنقه» الخنق‏:‏ بكسر النون مصدر خنقه، وسكونها لغة‏.‏

«إلى هدف» الهدف‏:‏ بفتح الهاء والدال، قال الجوهري‏:‏ الهدف‏:‏ كل شيء مرتفع من بناءٍ، أو كثيب رمل، أو جبل، ومنه سمي الغرض‏:‏ هدفاً‏.‏

«بركة» البركة‏:‏ بوزن كسرة، كالحوض، والجمع‏:‏ بُرَك‏.‏

«أو عشش فيها» عشش الطائر‏:‏ اتخذ عشاً، وهو موضعه الذي يجمعه من دقاق العيدان وغيرها‏.‏

«وصيد الطير بالشباش» وهو طائر يخيط الصائد عينيه ويربط، ذكره الشيخ في «المغني»‏.‏

كتاب الأيمان

الأيمان‏:‏ جمع يمين‏.‏ واليمين‏:‏ القسم، والجمع‏:‏ أَيْمُنٌ وأَيْمَان، وقيل‏:‏ سمي بذلك، لأنهم كانوا إذا تحالفوا، ضرب كل امرىء منهم يمينه على يمين صاحبه‏.‏ واليمين‏:‏ توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص، فاليمين وجوابها جملتان ترتبط إحداهما بالأخرى ارتباط جملتي الشرط والجزاء، كقولك‏:‏ أقسمت بالله لأفعلن، ولها حروف يُجَرُّ بها المقسم به، وحروف يجاب بها القسم، وأحكام غير ذلك موضعها كتب النحو‏.‏

«وايم الله» همزته همزة وصل تفتح وتكسر، وميمه مضمومة، وقالوا‏:‏ أيمن الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها، وعند الكوفيين‏:‏ ألفها ألف قطع، وهي‏:‏ جمع يمين، وكانوا يحلفون باليمين، فيقولون‏:‏ ويمين الله‏.‏ قاله أبو عبيد‏.‏ وأنشد لامرىء القيس‏:‏

فَقُلْتُ يَمِيْنُ الله أَبْرَحُ قَاعِداً *** وَلَوْ قَطَّفُوْا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي

وهو‏:‏ اسم مفرد مشتق من اليمن والبركة، وفي استعمالها أربعة عشر وجهاً ذكرتها في كتابي «المفاخر في شرح جمل عبد القاهر» فمن ىحب الوقوف عليها، فلينظرها فيه‏.‏

«لعمر الله» العَمْرُ، والعُمْر‏:‏ الحياة، بفتح العين وضمها، واستعمل في القسم، المفتوح خاصة، واللام للابتداء، وهو مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف وجوباً تقديره «قسمي» أو ما أُقْسِمُ به، والقَسَمُ به يمين منعقدة، لأنه حلفٌ بصفة من صفات الله تعالى، وهي حياته‏.‏

«يمكن فيها البر والحنث» فالبرُّ في اليمين‏:‏ الصدق فيها، والحنث‏:‏ عدم البرِّ فيها، وقال ابن الأعرابي‏:‏ الحنث‏:‏ الرجوع في اليمين‏:‏ أن يفعل غير ما حلف عليه، والحنث في الأصل‏:‏ الاثم، ولذلك شرعت فيه الكفارة‏.‏

«يمين الغموس» هي اليمين الكاذبة الفاجرة، يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموساً، لأنها تغمس صاحبها في الاثم، ثم في النار، و«غموس» للمبالغة‏.‏

«في عرض حديثه» عرض الشيء‏:‏ جانبه، وبالفتح‏:‏ خلاف طوله، ففي عرض حديثه، أي‏:‏ في جانبه، ويجوز أن يراد العرض خلاف الطول، ويكون ذلك عرضاً معنوياً‏.‏

«أيمان البيعة» البيعة‏:‏ المبايعة، أي‏:‏ يحلف بها عند المبايعة، والأمر المُهِم، وكانت البيعة على عهد رسول الله والخلفاء الراشدين بالمصافحة، فرتبها الحجاج‏.‏

باب جامع الايمان

جامع‏:‏ صفة لموصوف محذوف، أي‏:‏ أمر، أو وصف، أو نحوهما‏.‏

«وما هيجها» قال الجوهري‏:‏ هاج الشيء يهيج هيجاً وهياجاً وهيجاناً، واهتاج، وتهيج، أي‏:‏ ثار، وهاجه غيره وهيجه، يتعدى ولا يتعدى، فالمعنى‏:‏ سبب اليمين، وما أثارها‏.‏

«يريد جفاءها» الجفاء بالمد‏:‏ الاطراح، والابعاد‏.‏ يقال‏:‏ جفوته جفاءً، وجَفْوَة، وجِفْوَة‏.‏

«فضاء» الفضاء ممدوداً‏:‏ الساحة، وما اتسع من الأرض‏.‏ يقال‏:‏ أفضى‏:‏ إذا خرج إلى الفضاء‏.‏

«لحم هذا الحمل» بوزن فرس‏:‏ الصغير من أولاد الضأن‏.‏

«شرعية وحقيقية وعرفية» فالشرعية‏:‏ نسبة إلى الشرع، وهو‏:‏ ما شرع الله تعالى لعباده من الدين‏.‏ يقال‏:‏ شرع يشرع شرعاً وشريعة، والحقيقية‏:‏ نسبة إلى الحقيقة، وهي‏:‏ اللفظ المستعمل فيما وضع له أولاً، والعرفية منسوبة إلى العرف، كما فسر ذلك‏.‏

«لا يهب زيداً شيئاً» حقه أن يقول‏:‏ لا يهب لزيد شيئاً، يتعدى إلى المفعول الأول بحرف الجر، وإلى الثاني بنفسه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فوهب لي ربي حكماً‏}‏ ‏{‏ووهبنا له اسحق‏}‏ ‏{‏ووهبنا لداود سليمان‏}‏ وغير ذلك‏.‏

«أو المخ» المخ‏:‏ الذي في العظام، والمخة‏:‏ أخص منه‏.‏

«أو الكرش أو المصران أو الدماغ أو القانصة» الكرش‏:‏ بفتح أوله وكسر ثانيه وسكونه‏:‏ لكل مجتر، بمنزلة المعدة في الإنسان، وهي مؤنثة‏.‏ والمُصْران بضم الميم‏:‏ جمع، وهو المِعَاء، كرَغِيفٍ، ورُغْفَان، ثم المصارين‏:‏ جمع الجمع، وأما الدماغ‏:‏ فهو الذي داخل الرأس، وهو معروف‏.‏ وأما القَانِصة‏:‏ فهي واحدة القوانص، وهي للطير بمنزلة المصارين لغيرها‏.‏

«على سبيل الورع» الورع‏:‏ مصدر وَرِع يرِعُ بكسر الراء فيهما، وَرعاً، وَرِعةً‏:‏ كفَّ عن المعاصي، فهو وَرِع، وقال صاحب «المطالع» الوَرَع‏:‏ الكف عن الشبهات تحَرُّجاً وتخوفاً من الله تعالى، ثم استعير للكف عن الحلال أيضاً‏.‏

«أو كشكاً أو جنباً» الكشك‏:‏ هذا المعروف الذي يعمل من القمح، واللبن‏:‏ لم أره في شيء من كتب اللغة، ولا في «المعرَّب»، وأما الجُبّنُ، ففيه ثلاثة لغات، فصحاهن‏:‏ جُبْنٌ بوزن قُفْل، وجُبُنٌ بوزن عُنُق، وجُبُنٌّ، بضمتين وتشديد النون، كقوله‏:‏ جُبُنَّة من أطيب الجُبُنِّ‏.‏

«فأكل مذنباً» المذنِّب‏:‏ الذي بدأ فيه الارطاب من قبل ذنبه؛ يقال‏:‏ ذَنَّبَتِ البُسْرة، فهي مذنِّبة بكسر النون‏.‏

«أو بسراً» البُسْر‏:‏ قبل المذنِّب‏.‏ قال الجوهري‏:‏ البسر‏:‏ أوله طَلْعٌ، ثم خَلاَلاٌ، ثم بَلَحٌ، ثم بُسْرٌ، ثم رطَبٌ، ثم تَمرٌ، وواحده‏:‏ بُسْرةٌ وبُسُرةٌ‏.‏

«ما يصطبغ به» أي‏:‏ ما يغمس فيه الخبز، ثم الأُدْمُ، ويسمى ذلك الغموس فيه‏:‏ صبغاً بكسر الصاد‏.‏

«أو جوشنا» قال الجوهري‏:‏ الجوشن‏:‏ الدرع، فكأنه دِرْع مخصوص، فأما في زماننا، فلا يسمى درعاً، لكنه اسم لنوع معروف، هو قرقل، بكسر القافين، وسكون ما بعدهما‏.‏

«عقيقاً أو سبجاً» العقيق‏:‏ ضرب من الخرز الأحمر، معروف‏.‏ والسبج‏:‏ الخرز الأسود، فارسي معرب، قاله الجوهري‏.‏

«في مرسلة» المرسلة‏:‏ اسم مفعول من‏:‏ أرسلت القلادة، فهي مرسلة، والمرسلة هنا‏:‏ القلادة‏.‏

«جعلت برسمه» أي‏:‏ جعل ركوبها له‏.‏ يقال‏:‏ رسم الشيء رسماً، علَّمه بعلامة‏.‏

«طاق الباب» قال ابن فارس‏:‏ الطَّاق‏:‏ عقد البناء، قال موهوب‏:‏ هو فارسي معرب، فطاق الباب إذن‏:‏ ثخانة الحائط، وقال القاضي أبو يعلى‏:‏ إذا قام على العتبة، لم يحنث، لكونه يحصل خارج الدار إذا غلِّق بابها‏.‏

«لا يكلمه حيناً» الحين‏:‏ الوقت والمدة قليلاً كان أو كثيراً، وقال الفراء‏:‏ الحين حينان، حين لا يوقف على حده، والحين الذي ذكره الله تعالى‏:‏ ‏{‏تُؤْتي أَكُلَهَا كُلَّ حِين‏}‏ ستة أشهر‏.‏

«أو ملياً» الملي‏:‏ الطائفة من الزمان لا واحد لها، يقال‏:‏ مضى مَلِيّ من الزمان، ومليٌ من الدهر، أي‏:‏ طائفة‏.‏

«الأبد والدهر» قال الجوهري‏:‏ الأبد‏:‏ الدهر، والدهر‏:‏ الزمان‏.‏

قال الشاعر‏:‏

هَلِ الدَّهْرُ إلاَّ لَيلةٌ ونَهارُها *** وإلاَّ طلوعُ الشَّمسِ ثُمَّ غِيارُها

«والحقب» بضم الحاء‏:‏ ما ذكر، ويقال‏:‏ أكثر من ذلك، والجمع‏:‏ حقاب، وأحقبة‏.‏ والحقبة بالكسر‏:‏ واحدة الحقب، وهي‏:‏ السنو، والحُقُّب بضمتين‏:‏ الدهر، والأحقاب‏:‏ الدهور‏.‏

«والشهور والأشهر» واحده‏:‏ شهر، فالشهور‏:‏ جمع كثرة، والأشهر‏:‏ جمع قلة، فلذلك فَرَّق بينهما من فَرَّق‏.‏

«وله مال غير زكاتي» كذا وقع بخط المصنف رحمه الله تعالى نسبه إلى الزكاة، وقياسه‏:‏ زكوي، لأن النسب إلى المقصور الثلاثي بقلب ألفه واواً مطلقاً، كقنوي، وعصوي، وهو الصواب‏.‏

«واشتهر مجازها» المجاز‏:‏ هو الفظ المستعمل في غير موضوعه، كالرواية، والضعينة، والدابة، والغائط، والعذرة، فالراوية في الأصل‏:‏ البعير الذي يستقى عليه، ثم سميت به المزادة، فصارت حقيقة عرفية‏.‏ وأما الظعينة، فالأصل فيها‏:‏ الراحلة التي ترحل، ويظعن عليها، ثم سميت به المرأة، واشتهرت فصارت حقيقة عرفية، قال الجوهري‏:‏ الظعينة‏:‏ المرأة ما دامت في الهودج، فإن لم تكن فيه، فليس بظعينة، وأما الغائط، فهو في الأصل‏:‏ المطمئن من الأرض، ثم سميت به العذرة، لكونها كانت تخرج فيه، ثم اشتهرت، فصارت حقيقه عرفية‏.‏

«والياسمين» هو المشموم المعروف، وفيه لغتان‏.‏ إحداهما‏:‏ لزوم الياء والنون حرف الاعراب‏.‏ والثانية‏:‏ أن يعرف بالواو رفعاً، وبالياء جراً ونصباً، والسين مكسورة فيهما، حكي عن الأصمعي أنه قال‏:‏ فارسي معرب‏.‏

«فسكن كل واحد حجرة» الحجرة بضم الحاء‏:‏ كل منزل محوط عليه، ذكره شيخنا في «مثلثه» وقال الجوهري‏:‏ الحجرة‏:‏ حظيرة الابل، ومنه حجرة الدار‏.‏

«ومرافقها» المرافق‏:‏ جمع مرفق‏.‏ قال الجوهري‏:‏ ومرافق الدار‏:‏ مصابُّ الماء، ونحوها، كخلائها، وسطحها‏.‏

باب النذر

يقال‏:‏ نذرتُ أنذِر وأنذُر بكسر الدال وضمها، نَذْراً، فأنا ناذر‏:‏ إذا أوجبتَ على نفسك شيئاً تبرعاً‏.‏

«ولا يصح في محال» المُحالُ‏:‏ ضد الممكن، وهو‏:‏ اسم مفعول من أحيل، فهو محال‏.‏

«نذر اللجاج» اللَّجاج‏:‏ مصدر لجِجتَ في الشيء بالكسر تَلَجُّ لَجّاً ولَجَاجةً ولجَاجاً، ثم تنصرف عنه، فأنت لجوج‏.‏

«نذر التبرر» التَّبَرُّرُ‏:‏ التقرب، تَبَرَّرَ تَبَرُّراً، أي‏:‏ تقرب تقرباً‏.‏

«وإن نذر الطواف على أربع» أي‏:‏ نذر أن يمشي على يديه ورجليه، كما تمشي ذوات الأربع حبواً‏.‏

كتاب القضاء

القضاء‏:‏ مصدر قَضَى يقْضِي قَضَاءً، فهو قاضٍ‏:‏ إذا حكم، وإذا فصل، وإذا أَحْكَم، وإذا أَمْضَى، وإذا فرغ من الشيء، وإذا خلق‏.‏ وجمع القضاء‏:‏ أقضية‏.‏ وقضى فلان واستقضى‏:‏ صار قاضياً‏.‏

«في كل اقليم» الاقليم‏:‏ بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة‏.‏ قال أبو منصور‏:‏ الاقليم ليس بعربي محض‏.‏

«في كل صقع» الصقع بضم الصاد‏:‏ الناحية، وفلان من أهل هذا الصُّقْع، أي‏:‏ هذه الناحية‏.‏

«ومشافهته بالولاية» المشافهة‏:‏ مصدر شافهته‏:‏ إذا خاطبته من فيك إلى فيه، لأن شفاهكما متقابلة‏.‏

«خاصاً» منصوب على أنه صفة مفعول محذوف، أي‏:‏ توليه عملاً خاصاً، أو لمصدر محذوف، أي‏:‏ فيتولى تولياً خاصاً‏.‏

«أو محلة خاصة» المَحَلَّة‏:‏ بفتح الميم واللام‏:‏ منزل القوم، ومكان محلال، أي‏:‏ يَحِلُّ به الناس كثيراً‏.‏

«مع صلاحيته» الصلاحية‏:‏ يقال‏:‏ صَلَحَ صلاحاً، وصُلُوحاً، وصلُح بضم اللام، لغة‏.‏ والصلاحية‏:‏ مصدر، كالكراهية‏.‏

«والأمر والنهي إلى آخر الباب»‏.‏

فأما الأمر‏:‏ فاستدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء‏.‏ وقيل‏:‏ القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به‏.‏ وقيل‏:‏ الأمر‏:‏ صيغة «افْعَلْ» وما في معناها‏.‏

وأما النهي‏:‏ فعبارة عن صيغة «لا تفعل» وما في معناها‏.‏

وأما المجمل‏:‏ فهو ما لم يفهم منه عند الاطلاق معنى، وقيل‏:‏ ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر‏.‏

وأما المبين‏:‏ فهو في مقابلة المجمل، وهو الذي يفهم منه عند الاطلاق مراد المتكلم، أو ما احتمل أمرين في أحدهما أظهر من الآخر‏.‏

وأما المحكم، والمتشابه‏:‏ فقال القاضي أبو يعلى‏:‏ المحكم‏:‏ المفسر، والمتشابه‏:‏ المجمل، وقيل‏:‏ المتشابه‏:‏ الحروف المفطعة في أوائل السور، والمحكم‏:‏ ما عداه‏.‏ وقال ابن عقيل‏:‏ المتشابه‏:‏ الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين، كالآيات التي ظاهرها التعارض‏.‏ وقيل‏:‏ المحكم‏:‏ الوعد والوعيد، والحلال والحرام، والمتشابه‏:‏ القصص والأمثال‏.‏ قال المصنف رحمه الله في «الروضة»‏:‏ والصحيح أن المتشابه‏:‏ ما ورد في صفات الله تعالى مما يجب الايمان به، ويحرم التعرض لتأويله، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرس استوى‏}‏ و‏{‏بل يداه مبسوطتان‏}‏ ونحو ذلك‏.‏

وأما الخاص‏:‏ فهو الدال على واحد عيناً، كقولك‏:‏ زيد، وعمرو، وقد يكون خاصاً بالنسبة، عامّاً بالنسبة، كالنامي، فإنه خاص بالنسبة إلى الجسم، عام بالنسبة إلى الحيوان‏.‏ وأما العام‏:‏ فهو اللفظ الدال على شيئين فصاعداً مطلقاً معاً، وهو منقسم إلى عام لا أعم منه، وإلى عام بالنسبة، خاص بالنسبة‏.‏

وأما المطلق‏:‏ فهو الدال على شيء معين باعتبار حقيقةٍ شاملةٍ لجِنْسِهِ، وهو النكرة في سياق الاثبات‏.‏ وأما المقيد‏:‏ فهو ما دل على شيء معين، ومطلق على تقييد الحقيقة بقيد زائد، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة مؤمنة‏}‏‏.‏ وأما الناسخ‏:‏ فهو الرافع لحكم شرعي‏.‏ وأما المنسوخ‏:‏ فهو ما ارتفع شرعاً بعد ثبوته شرعاً‏.‏ وأما المستثنى‏:‏ فهو المخرج بـ «لا» أو ما في معناها من لفظ شامل له‏.‏ وأما المستثنى منه، فهو‏:‏ العام المخصوص بإخراج بعض ما دل عليه بـ «إلا»، أو ما في معناها‏.‏ وأما صحيح السنة، فهو ما نقله العدول الضابطون من أوله إلى آخره خالياً من الشذوذ والعلة، ويعرف ذلك بالنَّظر في الاسناد لحفاظ الحديث، أو بأن ينص على الصحة إمام حافظ، كأصحاب الكتب السنة، وغيرهم، كالامام أحمد، والشافعي، والبيهقي، والدارقطني، ولو كان متأخراً، كعبد الغني، ومحمد بن عبد الواحد المقدِسيَّيْن‏.‏ وأما سقيمها‏:‏ فهو ما لم يكن فيه شروط الصحة، ولا شروط الحسن، كالمنقطع، والمعضل، والشاذ، والمنكر، والمعلل، إلى غير ذلك‏.‏

وأما متواترها‏:‏ فهو الخبر الذي نقله جماعة كثيرون، ولا يتصور تواطؤهم على الكذب، مستوياً في ذلك طرفاه ووسطه، والحق أنه ليس لهم عدد محصور، بل يستدل بحصول العلم على حصول العدد، والعلم الحاصل عنه ضروري في أصح الوجهين‏.‏ وأما آحادها‏:‏ فهي ما عدا التواتر، وليس المراد به أن يكون راويه واحداً، بل كل ما لم يبلغ التواتر فهو آحاد‏.‏ وأما مرسلها، فالمرسل على ضربين، مرسل صحابي، وغيره، فمرسل الصحابي‏:‏ روايته ما لم يحضره، كقول عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا وعن أبيها‏:‏ أول ما بُدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث، فالصحيح‏:‏ أنه حجة، وهو قول الجمهور‏.‏ وأما غيره، فإن كان تابعياً كبيراً، لقي كثيرين من الصحابة، كالحسن، وسعيد، فهو مرسل اتفاقاً، وإن كان صغيراً كالزهري، فالمشهور عند من خص المرسل بالتابعي أنه مرسل أيضاً، وإن كان غير تابعي، فليس بمرسل عند أهل الحديث، ويسمى مرسلاً عند غيرهم‏.‏

وأما متصلها‏:‏ فهو ما اتصل اسناده، فكان كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه، سواء كان مرفوعاً إلى النبي أو موقوفاً على غيره‏.‏

وأمَّا مسندها‏:‏ فهو ما اتصل اسناده من راويه إلى منتهاه، وأكثر استعماله فيما جاء عن رسول الله، وخصه ابن عبد البرِّ به، سواء كان متصلاً به، كمالك عن نافع عن ابن عمر عنه‏.‏ أو منقطعاً، كمالك عن الزهري عن ابن عباس عنه، لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس، وحكى ابن عبد البرِّ عن قوم أنه لا يقع إلا على المتصل المرفوع‏.‏ وأما منقطعها‏:‏ فهو ما لم يتصل سنده على أي وجه كان الانقطاع، وأكثر ما يوصف بالانقطاع رواية من دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر، وقيل‏:‏ احتمل فيه قبل الوصول إلى التابعي رجل، سواء حذف، أو ذكر مبهما، كرجل وشيخ، وقيل‏:‏ هو الموقوف على من دون التابعي قولاً وفعلاً، وهو غريب بعيد‏.‏ وأما القياس‏:‏ فهو في اللغة‏:‏ التقدير، ومنه قست الثوب بالذراع‏:‏ إذا قدرته به، وفي الشرع‏:‏ حمل فرع على أصل، بجامع بيتهما‏.‏ وقيل‏:‏ حمل حكمك على الفرع بما حكمت به على الأصل، لاشتراكهما في العلة التي اقتضت ذلك في الأصل‏.‏ وقيل‏:‏ حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، ذكر الثلاثة المصنف رحمه الله في «الروضة» فهذه حدوده‏.‏

وأما شروطه‏:‏ فبعضها يرجع إلى الأصل، وبعضها إلى الفرع، وبعضها إلى العلة، وذلك كله مذكور في أصول الفقه يطول ذكره، وكذلك كيفية استنباطه‏.‏ وأما العربية‏:‏ فللعلماء فيما تنطبق عليه ثلاثة أقوال‏.‏ أحدها‏:‏ أنها الاعراب‏.‏ والثاني‏:‏ الألفاظ العربية من حيث هي ألفاظ العرب‏.‏ والثالث‏:‏ اللغة العربية من حيث اختصاصها بأحوالٍ، من الاعراب لا يوجد في غيرها من اللغات، والفرق بينها، وبين اللغة‏:‏ وقوع العربية على أحوال كل مفرد ومركب‏.‏ واللغة‏:‏ لا تطلق إلا على أحوال المركب، كقولك‏:‏ الجملة في موضع رفع خبر المبتدأ، بل اللغة‏:‏ عبارة عن ضبط المفردات على ما تكلمت به العرب، وشرح معانيها‏.‏ والثالث‏:‏ شبيه بالمراد هنا‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

باب أدب القاضي

الأدب بفتح الهمزة والدال‏:‏ مصدر أدب الرجل بكسر الدال، وضمها لغة‏:‏ إذا صار أديباً في خُلُق أو علم‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ الأدْب‏:‏ دعاء الناس إلى الطعام، والمأدبة‏:‏ الطعام، والآدِبُ بالمد‏:‏ الداعي، واشتقاق الأدب من ذلك، كأنه أمر قد اجتمع عليه، وعلى استحسانه‏.‏ فأدب القاضي‏:‏ أخلاقه التي ينبغي له أن يتخلَّق بها‏.‏ والخُلُق، بضم الخاء واللام، لصورة الإنسان الباطنة، بمنزلة الخَلْق، بفتح الخاء، لصورته الظاهرة‏.‏

«من غير عنف» العنف بوزن قُفْل‏:‏ ضد الرفق، تقول‏:‏ عَنُفَ عليه، وبه، بضم النون‏.‏

«حليماً» الحلم بالكسر‏:‏ الأناة، والصفح، فالحليم‏:‏ الذي يستفزُّه غضب، ولا يستخفُّه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم، والأناة‏:‏ التأني‏.‏ فقوله‏:‏ ذا أناة، خبر، أخص ما قبله، وهو الحلم‏.‏

«ذا أناة وفطنة» الأنَاةُ‏:‏ اسم مصدر من «تأنّى» بالأمر تأنياً‏:‏ ترفَّق فيه، واستأنى به، والاسم‏:‏ الأناة‏.‏ والفطنة‏:‏ كالفهم، قاله الجوهري‏.‏ وقال السعدي‏:‏ فَطنَ الرجل للأمر فِطْنَةً‏:‏ علمه، وفَطِنَ فَطَانَةً وفَطَانِيَة‏:‏ صار فَطِناً‏.‏

«عفيفاً» يقال‏:‏ عَفَّ يَعِفُّ عِفَّةً وعفَافاً فهو عَفَيفٌ‏:‏ كفَّ عما لا يحل له‏.‏

«الفقهاء والفضلاء والعدول» فالفقهاء واحدهم‏:‏ فيه، وهو‏:‏ العالم بالأحكام الشرعية العلمية، كالحل، والحرمة، والصحة، والفساد‏.‏

والفضلاء واحدهم‏:‏ فضيل، وهو‏:‏ أعم من الفقيه، لأن الفضيلة أعم من أن تكون في الفقه، فيصح أن يقال‏:‏ فلان فضيل وإن لم يكن فقيهاً‏.‏

والعدول واحدهم‏:‏ عدل، وهو الذي وصفه المصنف رحمه الله تعالى في كتاب الشهادات، ويجوز أن يراد هنا بالعدول‏:‏ المشتهرون بالعدالة، والمسمَّون بها، والقائمون بها بالشهادة على الحاكم‏.‏

«ليتلقوه» أي‏:‏ ليستقبلوه‏.‏ قال الجوهري‏:‏ تلقاه‏:‏ استقبله‏.‏

«أمر بعهده فقرىء» العَهْدُ‏:‏ الأمان، واليمين، والموْثِقُ، والذِّمَّةُ، والحِفَاظُ، والوصِيَّةُ‏.‏ وقد عهدت إليه، أي‏:‏ أوصيته‏.‏ قال الجوهري، ومنه اشتُق العهد الذي يكتب للولاة؛ فعهد القاضي‏:‏ الكتاب الذي يكتبه مُوَلِّيه له بما ولاَّه، ونحوه‏.‏

«ديوان الحكم» الديوان بكسر الدال وحكي فتحها، وهو‏:‏ فارسي معرَّب، وجمعه‏:‏ دواوين، وهو‏:‏ الدفتر الذي يكتب فيه القاضي ما يحتاج إلى ضبطه‏.‏

«من الزلل» الزلل‏:‏ جمع زلة، وهي‏:‏ الخطيئة، والسَّقطة‏.‏

باب القسمة

قال الجوهري‏:‏ القَسْمُ‏:‏ مصدر قَسَمْتُ الشيء فانْقَسَمَ، وقَاسَمَه المال، وتقاسماه، واقتسماه، والاسم‏:‏ القسمة، يعني‏:‏ بكسر القاف‏.‏

والقِسْم، بكسرها أيضاً‏:‏ النصيب المقسوم، وأصل القَسْمِ‏:‏ تمييز بعض الأنصباء من بعض، وإفرازها عنها‏.‏

«والعضائد» واحدة العَضَائِد‏:‏ عَضَادةٌ، وهي ما يصنع لجريان الماء فيه من السواقي في ذوات الكتفين، ومنه‏:‏ عضادتا الباب، وهما خشبتاه من جانبيه، فإن تلاصقت، لم يمكن قسمتها، وإن تباعدت، أمكن قسمتها‏.‏

«وإن استهدم» استهدم‏:‏ مطاوع هدم، تقول‏:‏ هدمت الحائط، فاستهدم‏.‏

«على قسم عرصته» العَرْصَة، بوزن تمرة‏:‏ كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع‏:‏ عِراصٌ‏.‏

«لها علو وسفل» هما معلومان يجوز ضم كل واحد منهما وكسره‏.‏

«بينهما منافع» واحدتها‏:‏ منفعة، قال الجوهري‏:‏ النفع‏:‏ ضد الضر، يقال‏:‏ نفعته بكذا، فانتفع به، والاسم‏:‏ المنفعة، والمنافع‏:‏ الانتفاع بالأعيان، كسكنى الدور، وركوب الدواب، واستخدام العبيد‏.‏

«ينبع ماؤها» ينبع، بضم الباء وفتحها وكسرها، أي‏:‏ يجري‏.‏

«في مصدم الماء فيه ثقبان» مصدم، بفتح الدال‏:‏ مصدر صدمه، بمعنى ضربه على حذف المضاف، أي‏:‏ مكان صدم الماء، ويجوز أن يكون مكاناً، ويجوز كسر الدال في المضارع‏.‏ وثقبان، واحدهما‏:‏ ثقب بفتح الثاء المثلثة، وهو‏:‏ الخرق‏.‏

«إفراز حق» يقال‏:‏ فرزت الشيء، وأَفرزته‏:‏ إذا عزلته، فالافراز‏:‏ مصدر أفرز‏.‏

«نصف العقار طلقاً» الطِّلْق، بكسر الطاء‏:‏ الحلال، وسمي المملوك طلقاً، لأن جميع التصرفات فيه حلال، من البيع، والهبة، والرهن، وغير ذلك، والموقوف ليس كذلك‏.‏

«بعلاً» البعل‏:‏ ما شرب بعروقه من غير سقي ولا سماء، ذكره الجوهري‏.‏

«على حدة» حدة‏:‏ أصلها وحدة، فالتاء عوض من الواو، والمعنى‏:‏ على حياله وانفراده‏.‏

«من تقويم» التقويم‏:‏ مصدر قَوَّمت السلعة‏:‏ إذا حددت قيمتها وقدرتها، وأهل مكة يقولون‏:‏ استقمت الشيء بمعنى‏:‏ قوَّمته‏.‏

«وبنادق شمع» البُنْدُقِ ليس بعربي، وهو الذي يرمى به، واحدته‏:‏ بندقة بضم الباء والدال‏.‏

والشمع معروف، بوزن فرس، وتسكين ميمه لغة‏.‏

«لا غير» بضم الراء، لقطعه عن الاضافة منوية‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

باب الدعاوى والبينات

الدعاوي، بكسر الواو وفتحها‏:‏ جمع دعوى، كحُبْلى وحَبَالى، وذفرى وذفارى وذفارٍ‏.‏ تقول‏:‏ ادعيت على فلان بكذا ادعاءً، والاسم‏:‏ الدعوى، وهي‏:‏ طلب الشيء زاعماً ملكه، والبينات‏:‏ جمع بينة، صفة، من بان يَبِينُ فهو بَيِّن، والأنثى‏:‏ بَيِّنَة، أي‏:‏ واضحة، وهو‏:‏ صفة لمحذوف، أي‏:‏ الدلالة البَيِّنة، أو العلامة، فإذا قيل‏:‏ له بينة، أي‏:‏ علامة واضحة على صدقه، وهي‏:‏ الشاهدان، والثلاثة، والأربعة، ونحوها من البيِّنات‏.‏

«عليها حمل» الحمل، بالكسر‏:‏ ما على ظهر أو رأس، وبالفتح‏:‏ ما في بطن الحبلى، وفي حمل الشجر‏:‏ الفتح والكسر‏.‏

«الابرة والمقص» المقص، بكسر الميم‏:‏ المقراض، وهما مقصان، تسمى كل فردة مقصا مجتمعتين‏.‏

«أوله عليه أزج» الأزَج‏:‏ بوزن فَرَس، قال الجوهري‏:‏ الأزّج‏:‏ ضرب من الأبنية، والجمع‏:‏ آزُج، وآزاج، فكأنه على حذف مضاف، أي‏:‏ حائط أَزَجٍ، وقد تقدم في الصلح أن الطاق يقال له‏:‏ أزج‏.‏

«بوجوه الآجر» الآجرُّ‏:‏ الذي يبنى به، لَبِن مشوي، فارسي معرب‏.‏ ذكر أبو منصور اللغوي في «المعرب» فيه ست لغات‏:‏ آجر بتشديد الراء، وآجر بتخفيفها، وآجور، وياجور، كلاهما بوزن صابور، وآجْرون بسكون الجيم‏.‏ وآجَرون بفتحها، وحكي عن الأصمعي‏:‏ آجُرة وآجِرة‏.‏

«ومعاقد القمط في الخص» المعاقد‏:‏ واحدها، معفد بكسر القاف على أنه موضع العقد، وبفتحها على أنه العقد نفسه‏.‏

والقمط، بكسر القاف‏:‏ ما يشد به الأخصاص، قاله الجوهري، وحكى الهروي في «الغريبين» أنه «القُمُطْ» بوزن عُنُقْ، جمع‏:‏ قِماط، وهي الشرط التي يُشَدُّ بها الخُصُّ ويوثق فيه، من ليف، أو خُوص، أو غيرهما، والخص‏:‏ بيت يعمل من الخشب والقصب، والجمع‏:‏ أخصاص، وخِصاص، سمي به لما فيه من الخصاص، وهي الفروج، والأنقاب‏.‏

«تحت الدرجة» الدَّرَجَة‏:‏ المرقاة، والدُّرَجَة، بوزن هُمَزَة لغة فيها‏.‏

«تقدم بينة الداخل وقيل الخارج» الداخل‏:‏ من العين المتنازع فيها في يده، والخارج‏:‏ من لا شيء في يده، بل جاء من خارج ينازع الداخل‏.‏

«وان تنازعا مسناة» المسناةُ‏:‏ السدُّ الذي يرد ماء النهر من جانبه‏.‏

«يقرع بين المدعين» واحدهم‏:‏ مدَّع، وياء المنقوص تحذف في جمع التصحيح، لالتقاء الساكنين، كعم وعَمِين‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم كانوا قوما عَمِين‏}‏‏.‏ وقع في خط المصنف رحمه الله تعالى‏.‏ المدعيين بيائين على صورة التثنية، والصواب بياء واحدة‏.‏

«غصبني إياه» تقدم الكلام على الغصب، ويقال‏:‏ غصبه منه وعليه، فقوله‏:‏ غصبني إياه؛ مُتَعَدٍّ إلى مفعولين يحتمل أنها لغة، فان أبا السعادات قال‏:‏ ومنه الحديث‏:‏ «غصبها نفسها»، وضمن «غصب» معنى «منع» أو على إسقاط الخافض، أي‏:‏ غصبه مني، فحذف «من»‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب تعارض البينتين

التعارض، مصدر تعارض الشيئان‏:‏ إذا تقابلا، تقول‏:‏ عارضته بمثل ما صنع، أي‏:‏ أتيت بمثل ما أتى‏.‏ فتعارض البَيِّنَتَين‏:‏ أن تشهد إحداهما بنفي ما أثبتته الأُخرى، أو بإثبات ما نفته‏.‏ والله أعلم‏.‏

كتاب الشهادات

الشهادات‏:‏ جمع شهادة، والشهادة‏:‏ مصدر شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً، فهو شاهد، قال الجوهري‏:‏ الشهادة‏:‏ خبر قاطع، والمشاهدة‏:‏ المُعَايَنَةُ، والشهادة في قول المصنف رحمه الله‏:‏ تحمل الشهادة وأدائها بمعنى «المشهود به» فهو مصدر بمعنى «المفعول» فالشهادة تطلق على التحمل، تقول‏:‏ «شهدت» بمعنى «تحملت» وعلى الأداء تقول‏:‏ شهدت عند الحاكم شهادة، أي‏:‏ أدَّيتها، وعلى المشهود به‏.‏

فأما «شهد» ففيه وفيما جرى مجراه من كل ثلاثي عينه حرف حلق مكسور أربعة أوجه‏:‏ فتح أَوله، وكسر ثانيه، وكسرهما، والاسكان فيهما‏.‏ قال الشاعر‏:‏

إذا غَابَ عَنَّا غَابَ عَنَّا رَبِيعُنَا

وإنْ يَشْهَد اغْنَى فَضْلُهُ وَنَوَافِلُهُ

«على القريب والبعيد» أي‏:‏ على القريب منه، كأخيه وابنه، والبعيد منه، كأجنبي‏.‏

«لا يسعه التخلف» أي‏:‏ لا يجوز له التخلف، فهو مضيق عليه في ترك إقامتها، لأن الشيء إذا لم يسع صاحبه، كان ضيقاً عليه، وأصل «يسع»‏:‏ يوسع بالواو، أن ما فاؤه واو، إذا كان مكسوراً في الماضي، لا تحذف الواو في مضارعه، نحو‏:‏ وَلِهَ يَوْلَهُ، وَوَغِرَ صَدْرهُ يَوْغَر، وَوَدِدْتُ أَوَدُّ، ولم يسمع حذف «الواو» إلا في يسع ويطأ‏.‏ قال الجوهري‏:‏ وإنما سقطت الواو منهما لتعديهما، وما عداهما من هذا النوع لا يكون إلا لازماً، فلذلك خولف بهما نظائرهما‏.‏

«مصرفه» مصرِفه، بكسر الراء‏:‏ موضع صرفه، وهي الجهات التي تصرف فيها، فأما مصرَفه بفتح الراء، فهو المصدر‏.‏

«شهادة المستخفي» المُسْتَخْفِي‏:‏ المُتَوَاري، قال الجوهري‏:‏ لا تقل اختفيت‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب شروط من تقبل شهادته

الشروط‏:‏ جمع شرط، وقد تقدم، ومن تُقبل شهادته، أي‏:‏ الذي يحكم بشهادته‏.‏

«في حال أهل العدالة» هو‏:‏ أن يكون مسلماً، عاقلاً، عدلاً، عالماً، بما يشهد به، غير متهم، ذكر المصنف رحمه الله تعالى ذلك في «المغني» وقال السامري في «المستوعب»‏:‏ لا يختلف المذهب في اشتراط هذه الخمسة‏.‏

‏{‏لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى‏}‏ «لا نَشْتَري» جواب القسم، أي‏:‏ يقولون‏:‏ والله لا نشتري، والهاء في «به» عائدة إلى الله تعالى، أو على الحَلِفَ، أو على تحريف الشهادة، أو على الشهادة، و«ثمناً» مفعول «نشتري» لأن الثمن يشترى، كما يشترى المثمن، وقيل‏:‏ التقدير‏:‏ ذا ثمن‏.‏ «ولو كان ذا قربى» أي‏:‏ ولو كان المشهود له ذا قربة‏.‏

«ولا نَكْتُمُ شهادة الله» لا نكتم‏:‏ معطوف على «لا نشتري» وأضاف الشهادة إلى الله تعالى، لأنه أمر بها، فصارت له، وتقرأ «شهادة» بالتنوين، و«الله»‏:‏ بالنصب والجر، فالجر مع قطع الهمزة ووصلها، وبالمدِّ مع قطع الهمزة على حذف حرف القسم، بتعويض ودونه‏.‏

«فان عثر على أنهما استحقا إثماً» عُثر‏:‏ بضم العين، أي‏:‏ اطلع، يقال‏:‏ عُثِرَ على الشيء عثوراً، وعثر في مشيه ومنطقه عثاراً‏.‏ «أنهما»، أي‏:‏ الوصيان «استحقا إثماً» أي‏:‏ استوجبا إثماً بخيانتهما، وأيمانهما الكاذبة‏.‏

«شهادة مغفل» المُغْفَل، بفتح الفاء‏:‏ اسم مفعول من غفل، يقال‏:‏ غَفَلَ عن الشيء وأَغْفَلَهُ غيره، وغفله‏:‏ جعله غافلاً، فهو مغفل، ومغفّل، بتشديد الفاء، وتخفيفها مفتوحة فيهما‏.‏

«ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان» الغلط، مصدر غلط‏:‏ إذا أخطأ الصواب في كلامه، عن السعدي، والعرب تقول‏:‏ غَلِطَ في منطقه، وغلط في الحساب، وحكى الجوهري عن بعضهم‏:‏ أنهما لغتان بمعنى، والنِسْيان، بكسر النون وسكون السين‏:‏ مصدر نسي الشيء، وهو خلاف الذِّكْرِ، والحفظ‏.‏ ورجل نسيان، بفتح النون أي‏:‏ كثير النسيان‏.‏

«العدالة» العدالة‏:‏ مصدر عَدُل، بضم الدال، عدالة‏:‏ ضد جار‏.‏ قال الجوهري‏:‏ ورجل عدل، أي‏:‏ رضيّ، ومقنع في الشهادة‏.‏ وقوم عَدْلٌ وعُدُول، وهو أيضاً القيمة والفدية، والحكم بالحق‏.‏ والعدل، بالفتح والكسر‏:‏ المثل، وبالكسر وحده‏:‏ الوعاء المعروف، وبالضم وحده‏:‏ جمع عدول، وهو الكثير الجود‏.‏

«ريبة» الرِّيبَةُ‏:‏ التهمة، ورابني الشيء‏:‏ عرفت منه الريبة‏.‏

«لا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على صغيرة» الكبيرة‏:‏ المنصوص عن الامام أحمد فيها‏:‏ أنها كل ما أوجب حداً في الدنيا، كالزنى، وشرب الخمر، أو وعيداً في الآخرة، كأكل الربا، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والصغيرة‏:‏ ما دون ذلك، كالغيبة، والنظر المحرم‏.‏

«أو الاعتقاد» الاعتقاد‏:‏ من أفعال القلوب، و«افتعال» من عقد القلب على الشيء‏:‏ إذا لم يزل عنه، وأصل العقد‏:‏ ربط الشيء بالشيء، فالاعتقاد‏:‏ ارتباط القلب بما انطوى عليه ولزمه‏.‏

«المتدين به» المُتَديِّن‏:‏ بوزن المتكلِّم‏:‏ اسم فاعل من تدين بكذا دِيناً، وتدين به، فهو ديِّن، ومتديِّن، والضمير في «به» للاعتقاد‏.‏

«متأولاً» المتأوِّل‏:‏ هو صارف اللفظ عن ظاهره لدليل، وشروطه ثلاثة‏:‏ أن لا يمكن حمله على ظاهره، وجواز إرادة ما حمله عليه، والدليل الدال على إرادته‏.‏

«استعمال المروءة» المُرُوءَة، بالهمز بوزن سهولة‏:‏ الانسانية، قال الجوهري‏:‏ ولك أن تشدد، وقال أبو زيد‏:‏ مرُوءَ الرجل‏:‏ صار ذا مُرُوءَةٍ، فهو مَرِيء على وزن فعيل، وتمَرَّأَ‏:‏ تكلف المُرُوءَةَ‏.‏

«ما يجمله ويزينه» جمله كذا‏:‏ جعله جميلاً، وزانه، وأزانه، وزينه بمعنىً‏.‏ والزَّيْن‏:‏ نقيض الشَّيْن‏.‏

«شهادة المصافع» المصافع‏:‏ مفاعل من صفع، قال السعدي‏:‏ وصفعه صفعاً، ضرب قفاه بجميع كفه، قال بن فارس‏:‏ الصفع معروف‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ الصفع كلمة مولَّدة‏.‏ فالصافع إذن‏:‏ من يصفع غيره، ويمكن غيره من قفاه فيصفعه‏.‏

«والمتمسخر» المتمسخر‏:‏ اسم فاعل من تمسخر، وهو تمفعل من سخر، فالمتمسخر‏:‏ يفعل ويقول شيئاً يكون سبباً لأن يسخر منه، أي‏:‏ يهزأ به‏.‏

«والرقاص» الرقاص‏:‏ من أمثلة المبالغة، فهو الكثير الرقص، يقال‏:‏ رقص يرقص رقصاً، فهو رقَّاص، ورقص الآل‏:‏ اضطرب، والشراب‏:‏ أخذ في الغليان، والرقص‏:‏ معروف‏.‏

«واللاعب بالشطرنج والنرد» الشطرنج‏:‏ فارسي معرب، وهو هذا المعروف، قال أبو منصور اللغوي‏:‏ وبعضهم يكسر شينه، ليكون على مثال من أمثلة العرب، كجردحل، وهو‏:‏ البعير الشديد الضخم‏.‏

والنَّرْدُ‏:‏ معروف أيضاً، وهو‏:‏ أعجمي معرب‏.‏

«بمباضعة أهله» المباضعة‏:‏ المجامعة‏.‏ وكذلك‏:‏ البضاع‏.‏

«كالنخال، والنفاط، والقمام، والزبال، والمشعوذ، والقراد، والكباش»‏.‏

النَّخَّال‏:‏ مبالغة في ناخل‏.‏ يقال‏:‏ نخل الشيء نخلا‏:‏ نَقَّى رَديئه، ونخَلَ الدقيق‏:‏ غربله، والمُنْخُل، بضم الميم والخاء‏:‏ ما ينخل به، فالنَّخَّال‏:‏ هو الذي يتخذ غربالاً، أو نحوه يغربل به ما في مجاري السقايات، وما في الطرقات من حَصىً، أو تراب، ليجد في ذلك شيئاً من الفلوس والدراهم وغيرها‏.‏

والنَّفَّاط‏:‏ اللعاب، مثل لبَّان، وتمَّار‏.‏

والقَمَّام‏:‏ فَعَّال، من قَمَّ البيت‏:‏ إذا كنسه، والقمامة‏:‏ الكناسة‏.‏ والجمع‏:‏ قُمامٌ، فالقَمَّام‏:‏ الكنَّاس‏.‏

والزَّبَّال‏:‏ معروف، وهو الذي صناعته الزّبل كَنْساً، ونَقْلاً، وجمعاً، وغير ذلك‏.‏

والمُشَعْوِذ‏:‏ من الشعوذة، قال ابن فارس‏:‏ ليست من كلام أهل البادية‏.‏ وهي خفة في اليدين، وأخذة كالسحر، وقال السعدي‏:‏ الشعوذة‏:‏ الخفة في كل أمر‏.‏

والقرَّاد‏:‏ الذي يلعب بالقِرْد، ويطوف به في الأسواق ونحوها مكتساً بذلك‏.‏

والكَبَّاش‏:‏ الذي يلعب بالكبش ويناطح به، وذلك من أفعال السفهاء والسفلة‏.‏

«شهادة البدوي على القروي» البدوي‏:‏ منسوب إلى البدو، وهي البادية‏.‏ والنسب إليه‏:‏ بدوي، بفتح الباء‏.‏

والقرَوي‏:‏ منسوب إلى القرية، بفتح الراء في القروي‏.‏ فالبدوي‏:‏ ساكن البادية‏.‏ والقروي‏:‏ ساكن القرية‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

باب موانع الشهادة

الموانع‏:‏ جمع مانع‏.‏ وهو اسم فاعل، من منع الشيء‏:‏ إذا حال بينه وبين مقصوده، فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها، فإن المقصود من الشهادة قبولها والحكم بها‏.‏

«الرابع‏:‏ العداوة» العداوة‏:‏ ضد الولاية‏.‏ تقول‏:‏ عدو بيّن العداوة والمعاداة‏.‏ والمعاداة ضربان، دنيوية‏:‏ وأخروية‏.‏ فالدنيوية‏:‏ كما مثل به، والأخروية‏:‏ كشهادة المسلم على الكافر، والسُّنيِّ على الرافضي، فتقبل، ولا يمنع ذلك قبول الشهادة‏.‏

«والمقطوع عليه الطريق» والمقطوع‏:‏ بالجر على المقذوف، والألف واللام في المقطوع موصولة‏.‏ والطريق‏:‏ مفعول قائم مقام الفاعل، أي‏:‏ الذي قطعت عليه الطريق‏.‏

باب الشهادة على الشهادة

«أن يسترعيه» الاسترعاء‏:‏ استفعال، من رعيب الشيء‏:‏ حفظته، تقول‏:‏ استرعيته الشيء فرعاه، أي‏:‏ استحفظته الشيء فحفظه، فشاهد الأصل يسترعي شاهد الفرع، أي‏:‏ يستحفظه شهادته ويأذن له أن يشهد عليه‏.‏

«بحق يعزيه» يعزيه ويعزوه، أي‏:‏ ينسبه‏.‏

«شاهد الزور» الزُّور‏:‏ الكذب، والباطل، والتهمة، فشاهد الزور‏:‏ الشاهد بالكذب‏.‏

«أو أحق» أحق، أي‏:‏ أتحقق‏.‏ يقال‏:‏ حَقَّقْتُ الأمر، وأحْقَقْتُهُ أَحقه وأُحقه، بفتح الهمزة وضمها على اللغتين‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب اليمين في الدعاوى

«وسائر الستة» هكذا هو بخط المصنف رحمه الله، وحقه‏:‏ وسائر التسعة، لما تقدم من أن سائراً بمعنى باقي، ولا يجوز سائر الستة، إلا إذا قيل‏:‏ سائر بمعنى كل‏.‏

«حلف على البت» البتُّ‏:‏ القطع، والجزم‏.‏ يقال‏:‏ بَتَّ الشيء يَبُتُّه بتاً‏:‏ إذا قطعه‏.‏

«تعالى اسمه» أي‏:‏ جَلَّ وارتفع عن إفْكِ المفترين‏.‏

«تغليظها» تغليظ اليمين‏:‏ تفخيمها وتشديدها‏.‏ يقال‏:‏ غَلُظَ الشيء ـ غِلَظاً‏:‏ صار غَلِيظاً ـ والخَلْق، غلظة وغلظة يعني‏:‏ بكسر الغين وضمها وغلاظة‏.‏

«الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين»‏.‏

الطالب‏:‏ اسم فاعل من طلب الشيء بمعنى قصده‏.‏

والغالب‏:‏ اسم فاعل من غلب يغلب بمعنى قهر، وأسماء الله تعالى توفيقية، واختلف في اشتقاق ما لم يرد مما ورد، فالطالب من قوله ‏:‏ «لا يطلبنكم الله بشيء من ذمته»‏.‏

والغالب‏:‏ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَتَبَ الله لأغْلِبَنَّ أَنا ورُسُلي‏}‏‏.‏

الضَّارُّ النَّافع‏:‏ هما من أسماء الله تعالى الحسنى، وصف نفسه بالقدرة على ضر من شاء، ونفع من شاء، وذلك أن من لم يكن على الضر والنفع قادراً، لم يكن مرجواً ولا مخوفاً‏.‏

و«خائنة الأعين»‏:‏ يفسر بتفسيرين‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يضمر في نفسه شيئاً، ويكف لسانه، ويومىء بعينه، وإذا ظهر ذلك من قبل العين، سميت‏:‏ خائنة الأعين، والآخر‏:‏ أنه ما تخون فيه الأعين من النظر إلى ما لا يحل‏.‏

والخائنة‏:‏ بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل‏.‏

«من فرعون وملئه» فرعون، يذكر في الأسماء، والملأ، بالقصر والهمز‏:‏ أشراف الناس، ورؤساؤهم، ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم

«يبرىء الأكمه والأبرص» الأكْمَه‏:‏ الذي يولد أعمى، عن الجوهري والسعدي، وقيل‏:‏ الذي يعمى بعد بصر‏.‏

والأبرص‏:‏ الذي أصابه البرص، وهو داء معروف، وهو بياض يخالف بقية البشرة‏.‏

«بين الركن والمقام» الركن في الأصل‏:‏ جانب الشيء الأقوى، والمراد به‏:‏ ركن المعبة المعظمة الذي فيه الحجر الأسود‏.‏

والمقام‏:‏ مقام ابراهيم ـ عليه السلام ـ المتقدم ذكره في باب دخول مكة‏.‏

«خطر» الخَطَر والخطْر، بفتح الطاء وسكونها‏:‏ الشرف والقدر‏.‏ أي‏:‏ في ماله شرف، وماله قدر‏.‏

كتاب الإقرار

الإقرار ‏:‏ الاعتراف‏.‏ يقال‏:‏ أقر بالشيء يقر إقراراً‏:‏ إذا اعترف به، فهو مقر والشيء مقَرُّ به، وهو إظهار لأمر متقدم وليس بإنشاء، فلو قال‏:‏ داري لفلان، لم يكن إقراراً، لتناقض كونها له ولفلان على جهة استقلال كل واحد منهما بها‏.‏

«يحاص» مضارع حاصه‏:‏ وهو مفاعلة من الحصة‏.‏ قال الجوهري‏:‏ يتحاصُّون‏:‏ إذا اقتسموا حِصَصاً، ويحاص مرفوع على الخبر، ويجوز فتحه على الجزم محركاً، لالتقاء الساكنين‏.‏

«باع عبده من نفسه» يقال‏:‏ بعت فلاناً كذا، وبعت منه، وله، وفي «صحيح مسلم» مرفوعاً «لو بعت من أخيك ثمراً»‏.‏

«فهو بينهما سواء» الذكر، والأنثى‏.‏ وهو مبتدأ يجوز أن يكون خبره «بينهما»‏.‏ و«سواء» نصب على الحال، والذكر والأنثى، مجرور على البدل من الضمير في «بينهما» أي‏:‏ فهو بين الذكر والأنثى، ويجوز أن يكون «سواء» مرفوعاً خبراً مقدماً، والذكر والأنثى مبتدأَ مؤخراً، فيكون على هذا جملتين «فهو بينهما» جملة، و«الذكر والأنثى سواء» جملة أُخرى، ويجوز رفع «سواء»، وجر «الذكر والأنثى» على ما ذكر‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب ما يحصل به الإقرار

«أجل» بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام‏:‏ حرف تصديق، بمعنى‏:‏ نعم‏.‏ قال الأخفش‏:‏ إلا أنه أحسن من «نعم» في التصديق، و«نعم»‏:‏ أحسن منه في الاستفهام‏.‏ فإذا قال‏:‏ أنت سوف تذهب، قلت‏:‏ أَجَل، وإذا قال‏:‏ أتذهب‏؟‏ قلت‏:‏ «نعم» وكان أحسن من «أجل»‏.‏

«أو أقدر» أقدر، بضم الهمزة وتشديد الدال‏:‏ من التقدير، وهي مثل أظن، وأحسب، في الشك‏.‏

«أو أحرز» هو بقطع الهمزة‏:‏ أمر من أحرز الشيء‏:‏ جعله في حرز‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الحكم فيما إذا وصل باقراره ما يغيره

«لم يقض ولم يبر» يقض بضم الياء‏:‏ مبنياً للمفعول، ويبر، بضم الياء وكسر الراء‏:‏ مبنياً للفاعل‏.‏

«له علي هؤلاء العبيد» أي‏:‏ تسليمهم، أو دفعهم، أو نحو ذلك‏.‏

«إلا أن يستثني عيناً من ورق» العين هنا‏:‏ الدنانير‏.‏ والعين‏:‏ لفظ مشترك في نحو من عشرين معنًى مذكورة في كتاب «الوجوه والنظائر»‏.‏ والورِق‏:‏ الفضة، وخصه بعضهم بالدراهم المضروبة‏.‏

«زيوفاً» الزُّيوف‏:‏ الرديئة‏.‏ يقال‏:‏ درهم زيف وزائف‏:‏ إذا كان رديئاً‏.‏

«أو مغشوشة» المغشوشة‏:‏ المشوبة بغير الفضة من الغشش‏:‏ وهو المشْرَبُ الكَدِر‏.‏

«بدا لي من تقبيضه» بدا للرجل في الأمر بداءاً‏:‏ رجع عنه، عن السعدي‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ وبدا له في هذا الأمر بداءً، أي‏:‏ نشأ فيه رأيٌ، و«مِنْ» بمعنى‏:‏ «عَنْ»‏.‏ وبدا لي متضمن معنى أعرضت، وهو يتعدى بـ «عن»‏.‏ و«من» بمعنى «عن» في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذي أطعمهم من جوع‏}‏، أي‏:‏ عن جوع، وفاعل بدا «رأي» مقدر، وساغ حذفه لكثرة استعماله هذه العبارة، وقد يحذف الفاعل لظهور المعنى، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو لم يهد لهم‏}‏ فاعل «يهد» محذوف، فهذا الذي أمكن تصحيح هذه العبارة به‏.‏ والله أعلم‏.‏

«له ـ عارية» عارية‏:‏ نصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة، أو التنبيه، وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هذا بَعْلي شيخاً‏}‏ ويجوز رفع «عارية» على أنه خبر، وهذه الدار مبتدأ، و«له» في موضع نصب إما على الحال، لكونه صفة لعارية تقدمت عليها، أو لتعلقه بفعل دل عليه «عارية»‏.‏

باب الإقرار بالمجمل

المجمل‏:‏ ضد المفسر، وهو‏:‏ ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر‏.‏

«أَو خطير» الخطير‏:‏ الذي له خطر، أي‏:‏ قدر، ويقال‏:‏ خطر، بضم الطاء، فهو خطير‏.‏

«له عليَّ كذا درهم» كذا‏:‏ كناية عن عدد مبهم، ويفتقر إلى مميز، قال الجوهري‏:‏ فينصب ما بعده على التمييز، تقول‏:‏ عندي كذا درهم، كما تقول‏:‏ عندي عشرون درهماً، وذكر غيره‏:‏ أنه يجوز جره بـ «من» تقول‏:‏ كذا من درهم، بدل من كذا، وإذا جر، كان التقدير‏:‏ جزء درهم، أو بعض درهم، ويكون «كذا» كناية عنه، وقد يصرف العرف إلى ما لا يجوز في اللغة‏.‏

«أردت التهزء» التهزء‏:‏ بضم الزاي مهموزاً‏:‏ مصدر تَهَزَّأَ، أي‏:‏ سخر، والتهزي بالياء‏:‏ من إبدال الهمزة «ياء»‏.‏

«لكن درهم» لكن حرف استدراك، والاستدراك في أصل اللغة‏:‏ تعقيب اللفظ بما يشعر بخلافه، فإذا قال‏:‏ له عليَّ درهم، أشعر بعدم غيره، لأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، فإذا قال‏:‏ «لكن درهم»، فقد عقب اللفظ بما أشعر بخلافه، وهو‏:‏ وجوب الدرهم الثاني‏.‏

«تمر في جراب» الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها‏:‏ الجراب المعروف‏.‏

«خاتم فيه فص» فص الخاتم معروف بفتح الفاء وكسرها وضمها، ذكره شيخنا في «مثلثه» والجوهري رحمه الله لم يطلع على غير الفتح، فلذلك قال‏:‏ فص الخاتم، والعامة تقول‏:‏ فص بالكسر‏.‏ والله أعلم‏.‏

«معاً» نصب على الظرف‏.‏

«منديل» هو بكسر الميم الزائدة من نَدَلْتُ يده‏:‏ إذا أصابها الغَمرُ‏.‏

باب ما ذكر في الكتاب من الأسماء

فتبدأ بذكر النبي، ثم بذكر الامام أحمد بن حنبل ـ رضى الله عنه ـ ثم بذكر مصنف الكتاب رحمه الله تعالى، ثم بباقي الأسماء مرتبة على حروف المعجم‏.‏

نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

أما نبينا، فهو‏:‏ محمد بن عبدالله، بن عبدالمطلب، بن هاشم، بن عبد مناب، ابن قصيّ، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤيّ، بن غالب، بن فهر، ابن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان‏.‏ إلى هاهنا إجماع الأمة، وما وراءه فيه اختلاف واضطراب، والمحققون ينكرونه، ومن أشهره عدنان بن أُد ـ ويقال‏:‏ بن أدد ـ ابن مقوم، بن ناحور ـ بالنون والحاء ـ بن تيرح، بن يعرب، بن يشجب، بن نابت، بن اسماعيل، بن ابراهيم ـ خليل الرحمن تبارك وتعالى ـ بن تارخ ـ وهو آزر ـ ابن ناحور، بن ساروح، بن راعو، بن فالخ، بن عيبر، بن شالخ، بن ارفخشد، بن سام، بن نوح، بن لامك، بن متُّوشلخ، بن خنوخ، بن يرد، ابن مهليل ـ بن قينن ـ ويقال‏:‏ قينان ـ بن يانش ـ ويقال‏:‏ أنش، ويقال‏:‏ أنوش ـ بن شيث، بن آدم وعلى سائر الأنبياء‏.‏

كنية الرسول

المشهور أبو القاسم، وكناه جبريل ـ عليه السلام ـ ‏:‏ أبا ابراهيم، وله أسماء كثيرة أفرد لها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر كتاباً في «تاريخه» بعضها في «الصحيحين» وبعضها في غيرهما، منها‏:‏ محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفِّي، وخاتم الأنبياء ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ونبي التوبة، والفاتح‏.‏

قال أبو بكر ابن العربي المالكي الحافظ في شرح «الترمذي»‏:‏ قال بعض الصوفية‏:‏ لله عزّوجل ألف اسم، وللنبي الف اسم‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ فأما أسماء الله تعالى، فهذا العدد حقير فيها‏.‏ وأما أسماء النبي، فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر بصفة الأسماء البنة، فوعيت منها أربعة وستين اسماً‏.‏ ثم ذكرها مفصلة مشروحة فاستوعب وأجاد‏.‏

وأُم رسول الله آمنة بنت وهب، بن عبدالمطلب، بن عبد مناف، ابن زهرة، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب‏.‏ ولد عام الفيل، وقيل‏:‏ بعده بثلاثين سنة، وقيل‏:‏ بأربعين، وقيل‏:‏ بعشر، والصحيح‏:‏ الأول‏.‏

واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، وقيل‏:‏ يوم الثاني، وقيل‏:‏ الثامن، وقيل‏:‏ العاشر، وقيل‏:‏ الثاني عشر، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ودفن يوم الثلاثاء حين زالت الشمس، وقيل‏:‏ ليلة الأربعاء، وله ثلاث وستون سنة، وقيل‏:‏ خمس وستون، وقيل‏:‏ ستون، والأول أشهر وأصح‏.‏

كان ليس بالطويل البائن، ولا القصير، ولا الأبيض الأبهق، ولا الآدم، ولا الجعد القطط، ولا السبط‏.‏ توفي وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، وكان حسن الجسم، بعيد ما بين المنكبين، كث اللحية، شئن الكفين ـ أي‏:‏ غليظ الأصابع ـ ضخم الرأس والكراديس، أدعج العينين، طويل أهدابهما، دقيق المسرُبة، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، حسن الصوت، سهل الخدين، ضليع الفم، أشعر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، بين كتفيه خاتم النبوة كزرِّ الحجلة أو كبيضة الحمامة، إذا مشى كأنما تطوي به الأرض، يجدُّون في لحاقه وهو غير مكترث‏.‏

كان له ثلاثة بنين، القاسم وبه كان يكنى، ولد قبل النبوة، وتوفي وهو ابن سنتين، وعبدالله ويسمى الطيب والطاهر، ولد بعد النبوة، وإبراهيم ولد بالمدينة ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر أو ثمانية عشر شهراً‏.‏

وكان له أربع بنات، زينب امرأة أبي العاص بن الربيع، وفاطمة امرأة علي بن أبي طالب، ورقية وأُم كلثوم تزوجهما عثمان ـ رضى الله عنه ـ م‏.‏

وكان له أحد عشر عماً، الحارث وهو أكبر أولاد عبدالمطلب وبه كان يكنى، وقثم، والزبير، وحمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب، وعبد الكعبة، وحجل بحاء مهملة مفتوحة ثم جيم ساكنة، وضرار، والغيداق‏.‏ أسلم منهم حمزة، والعباس وكان أصغرهم سناً، وهو الذي كان يلي زمزم بعد أبيه، وكان أكبر سناً من رسول الله بثلاث سنين، وقد نظمت أسماؤهم في هذين البيتين‏:‏

قثم والزبير وحمزة والعباس

حجب أبو طالب أبو لهب

وضرار غيداق ثمت عبد الكعبة

الحارث أعمام سيد العرب

وعماته ست‏:‏ صفية وهي أُم الزبير، أسلمت وهاجرت، وتوفيت، في خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ وعاتكة، قيل‏:‏ إنها أسلمت‏.‏ وبرة، وأروى، وأُميمة، وأُم حكيم وهي البيضاء، وقد نظمت أسماؤهنَّ في بيت وهو‏:‏

أُميمة أروى برة وصفية

وأُم حكيم واختمنَّ بعاتكة

وأما أزواجه، فأولهن خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، وأُم حبيبة، وأُم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وجويرية، وصفية‏.‏ هؤلاء التسع بعد خديجة، توفي عنهن، وكان له سريَّتان‏:‏ مارية، وريحانة‏.‏

وأما مواليه فكثيرون، نحو الخمسين من الرجال، والعشر من الاماء على اختلاف في بعضهم‏.‏

وأما أخلاقه، فكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، وألينهم كفّاً، وأطيبهم ريحاً، وأحسنهم عشرة، وأخشعهم وأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية، لا يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله، وكان خُلُقُهُ القرآن، وكان أكثر الناس تواضعاً، يقضي حاجة أهله، ويخفض جناحه للضعيف، ما سئل شيئاً قط فقال‏:‏ لا‏.‏ وكان أحلم الناس، وأشد حياءً من العذراء في خدرها، القريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في الحق سواء، ما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، ولا يأكل متكئاً، ولا على خوان، ويأكل ما تيسر، وكان يحب الحلوى والعسل، ويعجبه الدباء، وقال‏:‏ «نعم الادم الخل» يأكل الهدية، ولا يأكد الصدقة، ويكافىء على الهدية، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويعود المريض، ويجيب من دعاه من غنيٍّ ودنيٍّ وشريف، ولا يحقر أحداً، وكان يقعد تارة القرفصاء، وتارة متربعاً، وتارة يتكىء، وفي أكثر أوقاته محتبياً بيديه، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، ويتنفس في الشراب خارج الاناء ثلاثاً، ويتكلم بجوامع الكلم، ويعيد الكلمة ثلاثاً لتفهم، ولا يتكلم في غير حاجة، ولا يقعد ولا يقوم إلا على ذكر الله تعالى، وركب الفرس، والبعير، والحمار، والبغلة‏.‏ وأردف خلفه على ناقة، وعلى حمار، ولا يدع أحداً يمشي خلفه، وعصب على بطنه الحجر من الجوع، وفراشه من أدم حشوه ليف، وكان متقللاً من متعة الدنيا كلها، وقد أعطاه الله مفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها‏.‏ وكان كثير الذِّكْر، دائم الفكر، جلُّ ضحكه التبسم، ويحب الطيب، ويكره الريح المنتنة، ويمزح ولا يقول إلا حقاً، ويقبل عذر المعتذر، وكان كما وصفه الله تعالى ‏{‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏ وكانت معاتبته تعريضاً، ويأمر بالرفق ويحث عليه، وينهى عن العُنْفِ، ويحث على العفو والصفح ومكارم الأخلاق‏.‏ وكان

مجلسه حلم وحياء، وأمانة وصيانة، وصبر وسكينة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تُؤبَن فيه الحرم ـ أي‏:‏ لا تذكر فيه النساء ـ يتعاطفون فيه بالتقوى ويتواضعون‏.‏ ويوقر الكبار، ويرحم الصغار‏.‏ وكان يتألف أصحابه، ويكرم كريم كل قوم ويولِّيه عليهم، ويتفقد أصحابه، ولم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ولا يضرب خادمه، ولا امرأة، ولا شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فقد جمع الله له كمال الأخلاق، ومحاسن الشيم، وآتاه علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز، وما لم يؤت أحداً من العالمين، واختاره على جميع الأولين والآخرين‏.‏ صلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله والصالحين من عباده من أهل أرضه وسمائه وعليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين صلاة دائمة ما اختلف المَلَوَان، وتعاقب الجديدان، وسلم وكرم ووالى وجدد وسلم‏.‏

الامام أحمد بن حنبل

هو الامام المبجل أبو عبدالله أحمد بن محمد، بن حنبل، بن هلال، بن أسد، بن إدريس، بن عبدالله بن حيان بالمثناة، ابن عبدالله، بن أنس، ابن عوف، بن قاسط، بن مازن، بن شيبان، بن ذهل، بن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب، بن علي، بن بكر، بن وائل، بن قاسط، بن هنب بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها باء موحدة، ابن أفصى بالفاء والصاد المهملة، ابن دُعمي، بن جديلة، بن أسد، بن ربيعة، بن نزار، بن معد، بن عدنان، الشيباني المروزي البغدادي، هكذا ذكره الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي، وأبو بكر البيهقي، وابن عساكر، وابن طاهر‏.‏ وقال عباس الدوري، وابن ماكولا‏:‏ ذهب بن شيبان، وأنكر ذلك الخطيب، وقال‏:‏ هو غلط من الدوري‏.‏ قال الجوهري‏:‏ وشيبان حي من بكر، وهما شيبانان‏.‏ أحدهما‏:‏ شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة، وهو موافق لما قال الخطيب‏.‏ وذكره المصنف في أول «المغني» فقال‏:‏ أحمد بن محمد، بن حنبل، بن هلال، بن أسد، بن إدريس، بن عبدالله، ابن حيان، بن عبدالله، بن ذهل، بن شيبان‏.‏ فأسقط أنس بن عوف بن قاسط بن مازن، أربعة، وقدم ذهلاً على شيبان، والله أعلم‏.‏

حملت به أُمه بمرو، وولدت ببغداد، ونشأ بها، وأقام بها إلى أن توفي بها، ودخل مكة، والمدينة، والشام، واليمن، والكوفة، والبصرة، والجزيرة‏.‏ قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ كان شيخاً شديد السمرة طوالاً مخضوباً بالحناء‏.‏ وقيل‏:‏ كان ربعة‏.‏ سمع سفيان بن عيينة، وابراهيم بن سعد، ويحيى القطان، وهشيماً، ووكيعاً، وابن علية، وابن مهدي، وعبد الرزاق، وخلائق كثيرين ذكرهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي وغيره على حروف المعجم‏.‏ وروى عنه عبد الرزاق، ويحيى ابن آدم، وأبو الوليد، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة الرازي، والدمشقي، وابراهيم الحربي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الطائي الأثرم، وعبدالله بن محمد البغوي، وأبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي الدنيا، ومحمد بن اسحاق الصاغاني، وأبو حاتم الرازي، وأحمد بن أبي الحواري، وموسى بن هارون، وحنبل بن اسحاق، وعثمان بن سعيد الدارمي، وحجاج بن الشاعر، وخلائق كثيرون ذكرهم الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في «المناقب» على حروف المعجم‏.‏

وروينا عن الشافعي الامام أبي عبدالله محمد بن ادريس أنه قال‏:‏ خرجت من بغداد وما خلَّفْتُ بها أحداً، أورع، ولا أتقى، ولا أفقه ـ وأظنه قال‏:‏ ولا أعلم ـ من أحمد بن حنبل‏.‏

وعن الربيع بن سليمان، قال‏:‏ قال لنا الشافعي‏:‏ أحمد إمام في ثمان خصال؛ إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة‏.‏

وروينا عن الشافعي أنه قال عند قدومه إلى مصر من العراق‏:‏ ما خلَّفْتُ بالعراق أحداً يشبه أحمد بن حنبل‏.‏ وروينا عن إبراهيم الحربي قال‏:‏ يقول الناس‏:‏ أحمد بن حنبل بالتوهم، والله ما أجد أحدٍ من التابعين عليه مزية، ولا أعرف أحداً يقدِّر قدره، ولا يعرف من الإسلام محلَّه، ولقد صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاءً، وحراً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فما لقينه لقاةً في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس، ولقد كان يقدِّم أئمة العلماء من كل بلد، وإمام كل مصر، فهم بجلالتهم ما دام الرجل منهم خارجاً من المسجد، فإذا دخل المسجد صار غلاماً متعلماً‏.‏

وروينا عنه أيضاً أنه قال‏:‏ لقد رأيت رجالات الدنيا، لم أر مثل ثلاثة‏.‏ أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله، ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءاً عقلاً، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نفخ فيه علم‏.‏

وروينا عن عبد الوهاب الورَّاق قال‏:‏ ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، قالوا له‏:‏ وأي شيء بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت‏؟‏ قال‏:‏ رجل سئل عن ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال‏:‏ حدثنا، وأخبرنا‏.‏ وروينا عن علي وروينا عنه أنه قال‏:‏ ان الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث، أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة‏.‏ وروينا عنه أنه قال‏:‏ ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله مثل ما قام أحمد بن حنبل‏.‏ قلت‏:‏ يا أبا الحسن، ولا أبو بكر‏؟‏ قال‏:‏ ولا أبو بكر الصديق، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد ابن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب‏.‏ وروينا بالإسناد عن أبي عبيد القاسم بن سلام، أنه قال‏:‏ أحمد بن حنبل إمامنا، لأني لأتزين بذكره‏.‏ وعن أبي بكر الأثرم، قال‏:‏ كنا عند أبي عبيد وأنا أُناظر رجلاً عنده، فقال الرجل‏:‏ من قال بهذه المسألة‏؟‏ فقلت‏:‏ من ليس في شرق ولا غرب مثله‏.‏ قال‏:‏ من‏؟‏ قلت‏:‏ أحمد بن حنبل‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ صدق، من ليس في شرق ولا غرب مثله، ما رأيت رجلاً أعلم بالسُّنَّة منه‏.‏ وعن إسحاق بن راهويه أنه قال‏:‏ أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ لولا أحمد بن حنبل وبذله نفسه لما بذلها له، لذهب الإسلام‏.‏ وعن بشر بن الحارث أنه قيل له حين ضرب أحمد بن حنبل‏:‏ يا أبا نصر لو أنك خرجت فقلت‏:‏ إني على قول أحمد بن حنبل‏.‏ فقال بشر‏:‏ أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء‏؟‏ إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ أدخل أحمد بن حنبل الكير، فخرج ذهبة حمراء‏.‏ وروينا بالإسناد إلى بشر، قال‏:‏ سمعت المعافى بن عمران يقول‏:‏ سئل سفيان الثوري عن الفتوة، فقال‏:‏

الفتوة‏:‏ العقل والحياء، ورأسها الحفظ، وزينتها الحلم والأدب، وشرفها العلم والورع، وحليتها المحافظة على الصلوات، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وبذل المعروف، وحفظ الجار، وترك التكبر، ولزوم الجماعة، والوقار، وغض الطرف عن المحارم، ولين الكلام، وبذل السلام، وبر الفتيان العقلاء الذين عقلوا عن الله تعالى أمره ونهيه، وصدق الحديث، واجتناب التكلف، وإظهار المودة، وإطلاق الوجه، وإكرام الجليس، والانصات للحديث، وكتمان السر، وستر العيوب، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، والوفاء بالعهد، والصمت في المجالس من غير عي، والتواضع من غير حاجة، وإجلال الكبير، والرفق بالصغير، والرأفة والرحمة للمسلمين، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء‏.‏

وكمال الفتوة‏:‏ الخشية لله عزّوجل، فينبغي للفتى أن تكون فيه هذه الخصال كلها، فإذا كان كذلك كان فتىً بحقه‏.‏

قال بشر‏:‏ وكذلك كان أحمد بن حنبل فتًى، لأنه قد جمع هذه الخصال كلها‏.‏ وعن أبي زرعة عبيدالله بن عبد الكريم الرازي، قال‏:‏ ما رأت عيناي مثل أحمد بن حنبل في العلم، والزهد، والفقه، والمعرفة، وكل خير، ما رأت عيناي مثله‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ ما رأيت أحداً أجمع منه، ما رأيت أحداً أكمل منه‏.‏ وعن المزني صاحب الشافعي قال‏:‏ أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر الصديق يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين‏.‏ وعن أبي داود السجستاني، قال‏:‏ رأيت مائتي شيخ من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس، فإذا ذكر العلم تكلم‏.‏ وعن ابراهيم الحربي، قال‏:‏ سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه‏.‏ وعن عبد الوهاب الورَّاق قال‏:‏ لما قال النبي «فردوه إلى عالمه» رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه، وقد صنف في مناقبه من المتقدمين والمتأخرين، جماعة، كابن منده، والبيهقي، وشيخ الإسلام الأنصاري، وابن الجوزي، وابن ناصر، وغيرهم، وشهرة إمامته، ومناقبه، وسيادته، وبراعته، وزهادته، ومجموع محاسنه، كالشمس، إلا أنها لا تغرب، ـ رضى الله عنه ـ وحشرنا في زمرته‏.‏

ولد ـ رضى الله عنه ـ في ربيع الأول سنة هـ أربع وستين ومائة، وتوفي ببغداد يوم الجمعة لنحو من ساعتين من النهار، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين، والمشهور من ربيع الآخر، ـ رضى الله عنه ـ‏.‏

صنف «المسند» ثلاثون ألف حديث، و«التفسير» مائة ألف وعشرون ألفاً، و«الناسخ والمنسوخ» و«التاريخ» و«حديث شعبة» و«المقدَّم والمؤخَّر» في القرآن، و«جوابات القرآن» و«المناسك» الكبير، والصغير، وأشياء أُخر، وليس هذا مكان استقصاء مناقبه، والله أعلم‏.‏

مؤلف الكتاب «المقنع»

هو الامام العلامة الرباني المتفق على إمامته، وديانته، وسيادته، وورعه، موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، ولد بقرية جمَّاعِيلَ بفتح الجيم وتشديد الميم من جبل نابلس من الأرض المقدسة في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، اشتغل من صغره بالقرآن العزيز، والفقه، وقرأ على الشيخ أبي الفتح بن المَنيِّ بقراءة أبي عمرو بن العلاء، وعلى أبي الحسن علي البطائحي بقراءة نافع، وسمع الحديث الكثير بمكة، وبغداد، والموصل، ودمشق‏.‏ وروى كثيراً من مسموعاته، وسمع من خلق كثير يطول ذكرهم، منهم الامام العارف أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، وأبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وأبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان، وأبو بكر عبدالله بن محمد بن النقور، وأبو المعالي أحمد بن عبد الغني بن حنيفة الباجسرائي، والامام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن الخشاب‏.‏ ووالده الامام أبو العباس أحمد‏.‏ رحل في طلب العلم إلى بغداد وهو شاب في سنة هـ إحدى وستين وخمسمائة، فأقام نحواً من أربع سنين، ثم رجع وقد حصل الفقه والحديث والخلاف، ثم سافر ثانية فأقام سنة ثم رجع ثم حج سنة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ومضى على طريق العراق ودخل بغداد، وأقام ثالثة واشتغل، فقيل‏:‏ إنه في هذه السفرة كرر على مائة مسألة من الخلاف، ثم رجع واشتغل بالاشغال والتصنيف، فمن تصانيفه كتاب «البرهان» وجزء في «الاعتقاد» وكتاب «العلو» وكتاب «ذم التأويل» وكتاب «القدر» وفي الحديث كتاب «المتحابين» وكتاب «التوابين» وكتاب «الرقة» وكتاب «فضائل الصحابة» وأجزاء جمعها، وله كتاب «التبيين في أنساب القرشيين» وكتاب «الاستنصار في أنساب الأنصار» وصنف في الفقه كتاب «المغني» في سبع مجلدات بخطه، وكتاب «الكافي» مجلدان، وكتاب «المقنع» مجلد، وكتاب «العمدة» مجلد لطيف، و«مختصر الهداية» مجلد، وله كتاب «الروضة» في أصول الفقه، وكتاب

«قنعة الأديب في تفسير الغريب» ومقدمتان في الفرائض، وغير ذلك‏.‏

كان رحمه الله إماماً في الفقه، والخلاف، والفرائض، والجبر، والحساب، والنحو، والنجوم السيارة، له فيها نظم حسن‏.‏ وكان شديد الحلم، والتواضع، حسن الأخلاق والشيم، ذا رأي ومعرفة، قليل الاهتمام بالدنيا، مفوضاً أمره إلى الله تعالى، كثير التعبد حسنه، ذا كرامات ظاهرة كثيرة، فلذلك نفع الله به الخلق في حياته، واتصل النفع به بعد موته بتصانيفه، بحيث لا يكاد يستغني عنها أحد من أهل مذهبه، وله شعر حسن‏.‏ وقال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه‏:‏ ما حل بالشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق، توفي رحمه الله تعالى يوم السبت وهو يوم عيد الفطر بدمشق، ودفن يوم الأحد من سنة عشرين وستمائة بجبل قاسيون تحت المغارة المعروفة بـ «مغابة توبة» وكان الخلق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وقبره مشهور يزار، رحمه الله تعالى ورضي عنه‏.‏

حرف الألف

آدم ـ عليه السلام ـ

آدم ـ عليه السلام ـ ذكر في باب القرض «إلا نبي آدم والجواهر» وهو أبو البشر أول نبي أُرسل إلى أهل الأرض، خلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وزوجه حواء أَمته، ونهاه عن أكل الشجرة فخالف وأكلها بوسوسة اللعين إبليس هو وحواء، فتساقط عنهما لباسهما، وبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة‏.‏ وفي ذلك يقول بعض شعراء العرب‏:‏

فظلا يخيطان الوراق عليهما

بأيديهما من أكل شر طعام

‏{‏وناداهما رَبُّهما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشَّجَرة وَأَقُلْ لَكُما إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبين‏.‏ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِين‏}‏‏.‏

فأهبطا من الجنة إلى السماء، ثم أهبطا من السماء إلى الأرض، ولذلك كرر ‏{‏اهبطوا منها‏}‏ في البقرة مرتين، فالضمير في «منها» الأولى للجنة، وفي الثانية للسماء‏.‏ وقيل‏:‏ إن آدم أهبط بأرض الهند فمكث زمناً طويلاً لا يرفع رأسه حياءً من الله تعالى، عاش ألف سنة، وكان قد وهب لابنه داود النبي أربعين سنة، فلما مضى له تسعمائة وستون سنة، جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فقال‏:‏ بقي لي أربعون سنة، فقال‏:‏ أوليس قد وهبتها لولدك داود‏؟‏ فأنكر، فأنكرت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، صلاة الله عليه وسلامه‏.‏

إبراهيم الخليل صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم

ذكر في التشهد، فلذلك ذكر به‏.‏

هو إبراهيم بن تارخ، وهو آزر، وبقيه نسبه مستقصى في نسب النبي، وهو خليل الرحمن عزّوجل‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واتخذ الله إبراهيم خليلاً‏}‏ والخليل‏:‏ الصديق، فعيل بمعنى مفاعل، من الخلة بضم الخاء، وهي الصداقة التي تخللت القلب فصارت خلاله، أي‏:‏ باطنه، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من الخلة، أي‏:‏ الحاجة‏.‏

قال زهير‏:‏

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حَرِم

أي‏:‏ صاحب خلة، والأول أحسن وأكثر‏.‏ وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، أول من أضاف الضيف، وأول من ثرد الثريد، وأول من قص شاربه، واستحد، واختتن، وقلم أظفاره، واستاك، وفرق شعره، وتمضمض، واستنشق، واستنجى بالماء، وأول من شاب وهو ابن مائة وخمسين سنة، نقله ابن قتيبة عن وهب بن منبه ـ رضى الله عنه ـ ما‏.‏

قال‏:‏ وعاش إبراهيم مائة سنة وخمساً وسبعين سنة‏.‏ وقيل‏:‏ عاش مائتي سنة، وكان بينه وبين نوح ألفا سنة، ومائتا سنة، وأربعون سنة، وكان بين موت آدم إلى غرق الأرض ألفا سنة، ومائتا سنة، واثنان وأربعون سنة‏.‏ وابراهيم لا ينصرف للعجمة والعلمية، وفيه ست لغات‏:‏ ابراهيم، وإبراهام، وإبراهوم، وابرهم بغير ياء بفتح الهاء وكسرها وضمها، نقلها الامام أبو عبدالله محمد بن مالك ونظمها في بيت فقال‏:‏

تثليثهم هاء إبراهيم صح بقصـ

ـرٍ أو بمد ووجها الضم قد غربا

ابن شاقلا

هو ابراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا، أبو اسحاق البزاز، جليل القدر، كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع‏.‏ سمع من أبي بكر الشافعي، وأبي بكر أحمد بن آدم الوّراق، ودعلج، وعبد العزيز بن محمد اللؤلؤي، وابن مالك، وابن الصواف، وأبي عبدالله الحسين بن علي بن محمد المخرمي‏.‏ وروى عنه أبو حفص العكبري، وأحمد بن عثمان؛ وعبد العزيز غلام الزجاج، وكانت له حلقتان‏.‏ إحداهما بجامع المنصور، والأخرى بجامع القصر، وحج سنة تسع وأربعين، ومات سنة تسع وستين وثلاثمائة سلخ جمادى الآخرة، وقيل‏:‏ مستهل رجب‏.‏ وكان سنة يوم مات أربعاً وخمسين سنة، وغسله أبو الحسن التميمي، وكان له ابنان‏:‏ حسن، وعلي‏.‏ وشاقلا بالشين المعجمة، والقاف الساكنة بعد الألف، وآخره ألف ساكنة، هكذا قيدناه عن بعض شيوخنا، وكذا سمعته من غير واحد منهم‏.‏ والله أعلم‏.‏

الخلال

هو أحمد بن محمد بن هارون‏:‏ المعروف بالخلال، له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، من ذلك «الجامع» و«العلل» و«السنة» و«العلم» و«الطبقات» و«تفسير الغريب» و«الأدب» و«أخلاق أحمد»، وغير ذلك‏.‏ سمع الحسن ابن عرفة، وسعدان بن نصر، ومحمد بن عوف الحمصي، وطبقته، وصحب أبا بكر المرُّوذي إلى أن مات، وسمع جماعة من أصحاب الامام أَحمد، منهم صالح وعبدالله ابناه، وابراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخلق سواهم‏.‏ سمع منهم «مسائل أحمد» ورجل إلى أقاصي البلاد في جمعها وسماعها ممن سمعها من الامام أحمد، وممن سمعها ممن سمعها منه، وشهد له شيوخ المذهب بالفضل والتقدم‏.‏ حدث عنه جماعة، منهم أبو بكر عبد العزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، ودفن إلى جنب قبر المرّوزي عند رِجل الامام أحمد ـ رضى الله عنه ـ ما‏.‏

حرف التاء

تغلب

تغلب ذكر في «أحكام الذمة» وهو علم منقول من تغلب مضارع غلبت، ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وبنو تغلب هم بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار، انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية، فدعاهم عمر ـ رضى الله عنه ـ إلى بذل الجزية، فأبوا، وأنفوا وقالوا‏:‏ نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة، فقال عمر‏:‏ لا آخذ من مشرك صدقة، فلحق بعضهم بالروم، فقال النعمان بن زرعة‏:‏ يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس وشدة، وهم عرب يأنفون من الجزية، فلا تعن عليك عدوك بهم، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عمر في طلبهم، فردهم وضعَّف عليهم من الابل من كل خمس شاتين‏.‏ ومن كل ثلاثين بقرة تبيعين، ومن كل عشرين ديناراً ديناراً، ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم، وفيما سقت السماء الخمس، وفيما سقي بنضح أو غرب أو دلاب العشر، ولم يخالَف عمر، فصار إجماعاً‏.‏

حرف الحاء

الحجاج

الحجاج ذكر في كتاب الأيمان وهو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل ابن مسعود بن عامر بن معتّب بن مالك بن كعب من الأحلاف يكنى أبا محمد كان أخفش، دقيق الصوت، وأول الولاية وليها «تبالة» بفتح التاء، ثم ولاه عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير، فحاصره فقتله وأخرجه فصلبه، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين، فوليها عشرين سنة، فذلل أهلها‏.‏ وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال‏:‏ يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرَّخ، اللهم عجل لهم الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم‏.‏ مات بواسط ودفن بها، وعفي قبره، وأُجري عليه الماء، وكانت وفاته سنة تسعين، رضي الله عن موتى المسلمين‏.‏

الحسن بن حامد

هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبدالله البغدادي أمام الحنابلة في زمانه، ومدرسهم ومفتيهم، له المصنفات في العلوم المختلفات، له «الجامع» في المذهب نحواً من أربعمائة جزء، وله شرح «الخرقي» وشرح «أُصول الدين» و«أصول الفقه»‏.‏ سمع أبا بكر بن مالك، وأبا بكر الشافعي، وأبا بكر النجاد، وأبا علي الصواف، وأحمد بن سلم الخُتَّلي‏.‏ ومن أصحابه القاضي أبو يعلى، وأبو اسحاق وأبو العباس البرمكيان، وأبو طائر ابن القطان، وأبو عبدالله بن الفقاعي، وأبو عبدالله المزرقي، وأبو طالب بن العشاوي، وأبو بكر بن الخياط‏.‏ وله المقام المشهود في الأيام القادرية، ناظر أبا حامد الاسفراييني في وجوب الصيام ليلة الاغمام في دار الامام القادر بالله، بحيث يسمع الخليفة للكلام فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين، فردها مع حاجته إلى بعضها، فضلاً عن جميعها تعففاً وتنزهاً‏.‏ روي أنه كان يتبدىء في مجلسه باقراء القرآن، ثم بالتدريس، ثم ينسخ بيده، ويقتات من أجرته، فسمي‏:‏ الوراق من أجل ذلك، وأنه كان في كثير من أوقاته إذا اشتهت نفسه الباقلاء، لم يأكل معه دهناً، وإذا كان دهن لم يجمع بينه وبين الباقلاء‏.‏ وكان رحمه الله كثير الحج، فعوتب في ذلك لكبر سنه، فقال‏:‏ لعل الدرهم الزيف يخرج مع الدراهم الجيدة‏.‏ حكي أن إنساناً جاءه بقليل ماء وهو مستند إلى حجر، وقد أشرف على التلف، فأومأ إلى الجائي له بالماء‏:‏ من أين هو‏؟‏ وإيش وجهه‏؟‏ فقال له‏:‏ هذا وقته‏؟‏‏!‏ فأومأ‏:‏ أن نعم، عند لقاء الله عزّوجل أحتاج أن أدري ما وجهه‏؟‏ أو كما قال‏.‏

وتوفي راجعاً من مكة بقرب «واقصة» سنة ثلاث وأربعمائة رحمه الله‏.‏

الحسن بن عبدالله النجاد

هو الحسن بن عبدالله أبو علي النجاد كان فقيهاً معظماً إماماً في أُصول الدين وفروعه‏.‏

صحب من شيوخ المذهب أبا الحسن بن بشار، وأبا محمد البربهاري، ومن في طبقتهما‏.‏

صحبه جماعة‏:‏ أبو حفص البرمكي، وأبو حفص العكبري، وأبو الحسن الخرزي، وابن حامد، وغيرهم، ـ رضى الله عنه ـ م‏.‏

ومن أصحابنا من الطبقة الثانية‏:‏ أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد‏.‏ روى عن عبدالله بن أحمد، وأبي داود، وجمع العلم والزهد، وكان له حلقة بجامع المنصور، يفتي قبل الصلاة، ويملي الحديث بعدها، وصنف كتاب «الخلاف» نحو مائتي جزء، قاله ابن الجوزي‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ جمع «المسند» وصنف «السنن» كتاباً كبيراً‏.‏

روى عنه الدارقطني توفي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، ـ رضى الله عنه ـ‏.‏

حنبل بن إسحاق

هو حنبل بن إسحاق، أبو علي الشيباني ابن عم الامام أحمد‏.‏

سمع أبا نعيم الفضيل بن دكين، وأبا غسان مالك بن اسماعيل، وعفان بن مسلم، وسعيد بن سليمان، وعامر بن الفضل، وسليمان بن حرب، والامام أحمد في آخرين‏.‏

حدث عنه ابنه عبيدالله‏.‏ وقيل‏:‏ عبدالله، وعبدالله البغوي، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر الخلاف، وغيره‏.‏ ذكره الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، فقال‏:‏ كان ثقة ثبتاً‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ كان صدوقاً‏.‏ وذكره الخلال فقال‏:‏ قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية، وإذا نظرت في مسائله، شبهتها في حسنها وجودتها وإشباعها بمسائل الأثرم‏.‏

وكان رجلاً فقيراً، خرج إلى «عكبرا» فقرأ مسائله عليهم‏.‏ روينا بالاسناد إلى حنبل بن اسحاق قال‏:‏ جمعنا عمي، لي، ولصالح، ولعبدالله، وقرأ علينا «المسند» وما سمعه منه ـ يعني تاماً ـ غيرنا‏.‏ وقال لنا‏:‏ إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من تسعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة‏.‏

وعن بعض الشيوخ بعكبرا قال‏:‏ حضرنا عند حنبل بان إسحاق حين قدم عكبرا، فنزل بعكبرا، فلما اجتمع إليه أصحاب الحديث قال لهم‏:‏ اكترينا هذه الغرفة لنسكنها، فإذا كثر الناس خشينا أن تُضَرَّ، فإذا اجتمعتم خرجنا إلى المسجد‏.‏ وتوفي بواسط في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى‏.‏

حرف الدال

داود ـ عليه السلام ـ

هو داود النبي ـ عليه السلام ـ ذكر في «صوم التطوع» وهو أبو سليمان، داود ابن إيشا، وهو سابع سبعة إخوة، وهو أصغرهم، وكان يرعى على أبيه، وكان فيه قصر، وزرق، وقرع في ناحية من رأسه، وكان تزوج بنت طالوت، أنزل عليه الزبور في ست ليال‏.‏

وعن النبي أنه كان إذا ذكر داود قال‏:‏ «أعبد البشر، وكان لا يأكل إلا من عمل يده»‏.‏

ومات فجأة يوم السبت، وقيل‏:‏ يوم الأربعاء، وهو ابن مائة سنة‏.‏ وعن وهب قال‏:‏ شهد جنازته أربعون ألف راهب سوى غيرهم من الناس، ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى ـ عليه السلام ـ نبي كانت بنو إسرائيل أشد جزعاً عليه منهم على داود ـ عليه السلام ـ‏.‏

حزف الزاي

زيد بن ثابت

هو زيد بن ثابت ذكره في قوله «مختصرة زيد» و«تسعينية زيد» وهو زيد بن ثابت بن الضحاك، بن زيد، بن لوذان، بن عمرو، بن عبد عوف، ابن غنم، بن مالك، بن النجار الأنصاري، يكنى أبا سعيد‏.‏ وقيل‏:‏ أبا خارجة، أخو يزيد بن ثابت لأبيه وأُمه، كان يكتب الوحي للنبي‏.‏

روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان‏.‏

روى عنه من الصحابة، عبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبدالله بن يزيد الخطمي، وسهل ابن أبي حثمة، وسهل بن سعد الساعدي، وسهل بن حنيف، وأبو سعيد الخدري، ومن التابعين خلق كثير‏.‏ وكان كاتباً لعمر ابن الخطاب، وكان يستخلفه إذا حج، وكان معه لما قدم الشام، وخطب بالجابية عند خروجه لفتح بيت المقدس، وتولى قسمة غنائم اليرموك، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين‏.‏ وقيل‏:‏ سنة أربعين، وقيل‏:‏ خمس وأربعين، وقيل غير ذلك، ـ رضى الله عنه ـ وعن سائر الصحابة‏.‏

حرف الشين

شيبة

شيبة ذكر في «دخول مكة» في قوله «باب بني شيبة» فشيبة هو ابن عثمان، بن طلحة، بن أبي طلحة عبدالله بن أبي عبد العزي، بن عثمان، بن عبدالدار، بن قصي‏.‏ هاجر أبوه عثمان إلى النبي في الهدنة، ورفع إليه مفتاح الكعبة، وقال‏:‏ خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة‏.‏ كذا ذكره ابن مندة، وذكر الأزرقي أن باب بني شيبة، هو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يعرف بالجاهلية والاسلام عند أهل مكة، فيه اسطوانتان، وعليه ثلاث طاقات‏.‏

حرف الصاد

صخر بن حرب

هو صخر بن حرب بن عبد شمس، بن عبد مناف، بن قصي، القرشي الأموي المكي، يكنى أبا سفيان‏.‏

أسلم زمن الفتح، ولقى النبي بالطريق قبل دخول مكة، وشهد حنيناً، وأعطاه النبي من غنائمها مائة بعير، وأربعين أوقية، وشهد الطائف واليرموك، نزل بالمدينة، ومات بها سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة رحمه الله تعالى، ذكر في «كتاب النفقات»‏.‏

حرف العين

عبد الله بن عباس

عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنه ـ ما ذكر في «الرضاع»‏.‏

وهو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي كان يقال له‏:‏ البحر، والحبر، لكثرة علمه، دعا له النبي بالحكمة مرتين‏.‏

وقال ابن مسعود‏:‏ نعم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس‏.‏ ولد في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات النبي وهو ابن ثلاث عشرة سنة‏.‏ وقيل‏:‏ خمس عشرة، وصوبه الإمام أحمد بن حنبل‏.‏ ومات بالطائف سنة ثمان وستين، وقيل‏:‏ سنة تسع وستين، وقيل‏:‏ سبعين، وصلى عليه محمد بن الحنفية ـ رضى الله عنه ـ ما‏.‏

عبد العزيز بن جعفر

هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، بن يزداد، بن معروف، أبو بكر المعروف بغلام الخلال‏.‏

حدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هرون، ومحمد بن الفضل الوصيفي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب البصري، وعلي بن طيفور النسوي، وجعفر الفريابي، ومحمد بن محمد الباغندي، والحسين بن عبدالله الخرقي، وأبي القاسم البغوي، وآخرين‏.‏

حدث عنه أحمد بن علي بن عثمان بن الجنيد الخطي، وأبو إسحاق بن شاقلا، وأبو عبدالله بن بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو حفص البرمكي، والعكبري، وأبو عبدالله بن حامد‏.‏

كان عبد العزيز أحد أهل الفهم، موثوقاً به في العلم، متسع الرواية، مشهوراً بالديانة، موصوفاً بالأمانة، مذكوراً بالعبادة‏.‏

له المصنفات في العلوم المختلفات «الشافي» و«المقنع» و«تفسير القرآن» و«الخلاف» مع الشافعي و«كتاب القولي» و«زاد المسافر» و«التنبيه» وغيره ذلك‏.‏

وذكره القاضي الامام أبو يعلى فقال‏:‏ كان ذا دِينٍ، وأخا وَرَعٍ، علاَّمة، بارعاً في علم مذهب أحمد، وذكر تصانيفه، وتعظيمه في النفوس، وكان له قدم راسخ في تفسير القرآن ومعرفة معانيه‏.‏ روي أن رافضياً سأله عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذي جاء بالصِّدقِ وَصَدَّقَ به‏}‏ من هو‏؟‏ فقال‏:‏ أبو بكر الصدِّيق، فرد عليه وقال‏:‏ بل هو علي، فهم به الأصحاب، فقال‏:‏ دعوه، ثم قال‏:‏ اقرأ ما بعدها ‏{‏لهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِم ذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِين‏.‏ لِيُكَفِّر الله عنهم أَسْوأَ الِّذي عَمِلُوا‏}‏ وهذا يقتضي أن يكون هذا المصدق له سيئات سبقت، وعلى قولك أيها السائل لم يكن لعليٍّ سيئات، فقطعه‏.‏ وهذا استناط حسن لا يعقله إلا العلماء، فدل على علمه، وحلمه، وحسن خلقه، فإنه لم يقابل السائل على جفائه، وعدل إلى العلم‏.‏ توفي يوم الجمعة بعد الصلاة لعشر بقين من شوال سنة ثلاث وستين وثلاثمائة‏.‏ روي عنه أنه قال‏:‏ أنا عندكم إلى يوم الجمعة وذلك في علته، فقيل له‏:‏ يعافيك الله أو كلاماً هذا معناه، فقال‏:‏ سمعت أبا بكر الخلال يقول‏:‏ سمعت أبا بكر المروذي يقول‏:‏ عاش أحمد ابن حنبل ثمانياً وسبعين سنة ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وعاش أبو بكر المروذي ثمانياً وسبعين سنة، ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وعاش أبو بكر الخلال ثمانياً وسبعين سنة، ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وأنا عندكم إلى يوم الجمعة، ولي ثمان وسبعون سنة، فلما كان يوم الجمعة، مات، ودفن بعد الصلاة رحمه الله، وكان يوماً عظيماً لكثرة الجمع‏.‏

عبد العزيز التميمي

هو عبد العزيز بن اسماعيل، بن الحارث، بن أسد، أبو الحسن التميمي‏.‏

حدث عن أبي بكر النيسابوري، ونفطويه، والقاضي المحاملي، وغيرهم، وصحب أبا القاسم الخرقي، وأبا بكر عبد العزيز‏.‏ وصنف في الفروع، والأصول، والفرائض، صحبه القاضيان أبو علي بن أبي موسى، وأبو الحسن بن هرمز، وكان له أولاد‏:‏ أبو الفضل، وأبو الفرج، وغيرهما‏.‏ وقيل‏:‏ إنه حج ثلاثاً وعشرين حجة، ومولده سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وتوفي في ذي القعدة إحدى وسبعين وثلاثمائة ـ رضى الله عنه ـ وأرضاه‏.‏

عبيد الله بن بطة

هو عبيدالله بن محمد بن محمد بن أحمد بن حمدان، بن عمر بن عيسى، بن إبراهيم، بن سعد، بن عتبة، بن فرقد، صاحب رسول الله‏.‏ أبو عبدالله العكبري المعروف بابن بطة‏.‏

سمع أبا القاسم البغوي، وأبا محمد بن صاعد، وإسماعيل بن العباس الورَّاق، وأبا بكر النيسابوري، وأبا طالب أحمد بن نصر الحافظ، ومحمد بن محمود السراج، ومحمد بن مخلد العطار، ومحمد بن ثابت العكبري، وأبا القاسم الخرقي، وأبا بكر عبد العزيز، وغيرهم من العلماء، فإنه سافر الكثير إلى مكة، والثغور، والبصرة، وغير ذلك من البلاد‏.‏

وصحبه جماعة من مشايخ المذهب، أبو حفص العكبري، والبرمكي، وأبو عبدالله بن حامد، وابن شهاب، وأبو إسحاق البرمكي في آخرين‏.‏ ولما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم يُر في سوق، ولا رؤي مفطراً إلا في يوم الفطر، والأضخى، وأيام التشريق‏.‏

قال الحافظ أبو بكر الخطيب‏:‏ حدثني عبد الواحد بن علي العكبري قال‏:‏ لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة، وكان آمراً بالمعروف، ولم يبلغه منكر إلا غَيَّرَه‏.‏

وعن أبي علي بن شهاب قال‏:‏ سمعت أبا عبدالله بن بطة يقول‏:‏ أَسْتَعْمِلُ عِنْدَ منامي أربعين حديثاً رُوِيَتْ عن رسول الله‏.‏

وروي أنه كان وصف له ترك العَشَاءِ، فكان يجعل عشاءَهُ قبل الفجر بيسير، ولا ينام حتى يصبح، وكان عالماً بمنازل الفجر والقمر‏.‏

ومن مصنفاته كتاب «الابانة الكبير» و«الابانة الصغير» و«السنن» و«المناسك« و«الامام ضامن» و«الانكار على من قص بكتب الصحف الأولى» و«الانكار على من أخذ القراءات من المصحف» و«النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الفجر» و«تحريم النميمة» و«صلاة الجماعة» و«منع الخروج من المسجد بعد الأذان» و«الاقامة لغير حاجة» و«إيجاب الصداق بالخلوة» و«فضل المؤمن» و«الرد على من قال‏:‏ الطلاق الثلاث لا يقع» و«ذم البخل» و«تحريم الخمر» و«ذم الغناء والاستماع إليه» و«التفرد والعزلة» وغير ذلك وقيل‏:‏ إنها تزيد على مائة مصنف‏.‏

قال القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى‏:‏ وجدت بخط أبي قال‏:‏ اجتاز الشيخ أبو عبدالله بن بطة بالأحنف العكبري، فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ يقول‏:‏

لا تَلُمْنِي على الفِيام فَحَقِّي

حين تبدو أن لا أملَّ القياما

أَنْتَ مِنْ أكرم الَبِريَّةِ عِنْدي

وَمِنَ الحَقِّ أَنْ أجِلَّ الْكِراما

فقال ابن بطة لابن شهاب‏:‏ تكلف له جواب هذه فقال‏:‏

أَنْتَ إنْ كنتَ لا عَدِمْتُكَ تَرعَى

لِيَ حقاً وتُظْهِر الا عظاما

فَلَكَ الفَضْلُ في التَّقَدّم والعِلْـ

ـمِ وَلَسْنَا نُحِبُّ منكَ احْتِشاما

فَاعْفِني الآنَ مِنْ قِيامِكَ أَوْلا

فَسَأجْزِيكَ بالقيام القياما

وَأَنا كارهٌ لذلك جِدّاً

إنَّ فِيهِ تَمَلُّقاً وَأَثاما

لا تُكَلِّفْ أَخَاكَ أَنْ يَتَلَقَّا

كَ بِما يَسْتَحِلُّ فِيهِ الحَرَامَا

وَإذا صَحَّتِ الضَّمائِرُ مِنَّا

إكْتَفَيْنا أَنْ نُتْعِبَ الأجساما

كُلُّنا واثِقٌ بِوُدِّ مصا

فيه ففيم انزعاجنا وعلاما‏؟‏

توفي أبو عبدالله بن بطة رحمه الله يوم عاشوراء سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، ورثاه تلميذه أبو الحسن بن شهاب، بن الحسن، بن علي، بن شهاب العكبري فقال‏:‏

هَيْهَاتَ لَيْسَ إلى السُّلُوِّ سَبِيْلُ

فلْيَكْتَنِفْك تَفَجُّعٌ وَعَوِيلُ

مَوْتُ ابنِ بَطَّةَ ثُلْمَةٌ لا يُرْتَجَى

لِمَسَدِّها شَكْلٌ لَهُ وعَدِيلُ

فَمَضَى فَقيدَاً مَالَهُ مُلَفٌ وَلاَ

مِنْهُ وَإنْ طَالَ الزَّمانُ عَدِيلُ

أَمَّا المَحَاسِنُ بَعْدهُ فَدَوارِسٌ

والعِلْمُ رَبْعٌ مُقْفِرٌ وَطُلُولُ

أَمَّا القُبُورُ فَهُنَّ منه أَوانِسٌ

بِحُلُوله وَعَلَى الدِّيارِ نُحُول

مَنْ لِلْخُصُومِ اللُّدِّ إن هم شغبوا

وعنَاهُمْ التَّمْوِيهُ والتَّأوِيل

من لِلْقُرانِ وكَشْفِ مُشْكِلِ آيِهِ

حَتَّى يقوم عليه منك دليل

مَنْ للحديث وحِفْظِهِ بِرِواية

مِنْقولَةٍ إسنادُها مَنْقُول

يا ليتَ شِعري عَنْ لسان كانَ كالسَّـ

ـيْف الصَّقِيلِ وَلَيسَ فيه فُلُولُ

مات الذي آثارُهُ وعُلُومُه

مدْروسَةٌ مَسْطورُها منْقُولُ

الشيخ ماتَ أَمِ البسيطةُ زُلزِلتْ

أم صارَ في البدر المنير أُفُول

مَنْ للفرائض في عَويصِ حِسَابِها

في الجَدِّ أو في الرَّدِّ حيثُ تعول

مَنْ للشروط وحفظِ حكمِ فروعِها

إن أُحكمت قبل الفروع أصول

مَنْ فِعلُهُ الثَّبْتُ السديد موافق

للقول مِنْهُ حيثُ صارَ يقول

هَيْهات أَنْ يأتي الزمانُ بمثله

إنَّ الزمانع بمثله لبخيل

الله حَسْبي بعده وهو الذي

في كلِّ ما أرجوه منه وكيل

وبطة بفتح الباء والطاء المشددة، وأما بُطة بضم الباء، فأبو علي الحسن بن بطة، بن سعد، بن عبدالله الزعفراني‏.‏ وأبو عبدالله محمد بن يحيى، بن مندة، واسمه‏:‏ ابراهيم بن الوليد، بن سندة، بن بطة، بن اسبندار، ومن ذريته أحمد بن بطة الأصبهاني، وولده أبو عبدالله محمد بن بطة‏.‏

عثمان بن عفان

هو عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ ابن أبي العاص، بن أُمية، بن عبد شمس، ابن عبد مناف، يلتقي مع رسول الله في الأب الرابع‏.‏ وهو عبد مناف، وأُمه‏:‏ أروى بنت كُرَيز بضم الكاف وفتح الراء بن ربيعة، ابن حبيب، بن عبد شمس، وأمها‏:‏ أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله‏.‏ أسلم قديماً وهاجر الهجرتين‏.‏ وتزوج ابنة رسول الله رقية فماتت، فتزوج أم كلثوم فماتت عنده أيضاً‏.‏

ولد بعد عام الفيل بست سنين، وقتل يوم الجمعة بعد العصر لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وهو ابن تسعين سنة، وقيل‏:‏ ثمان وثمانين‏.‏ وقيل‏:‏ اثنتين وثمانين‏.‏ وصلى عليه جبير بن مطعم‏.‏ ولي الخلافة اثنتي عشرة سنة ـ رضى الله عنه ـ ذكر في مقادير الديات‏.‏

علي بن حمزة

هو علي بن حمزة أبو الحسن الأسدي الكسائي النحوي الكوفي، ثم البغدادي، أحد الأئمة القراء، كان يعلِّم الرشيد، ثم الأمين بعده، قرأ على حمزة الزيات، وأقرأ بقراءاته ببغداد زماناً، ثم اختار لنفسه قراءات فأقرأ بها‏.‏ قرأ عليه خلق كثير ببغداد والرقة وغيرهما‏.‏ وصنف «معاني القرآن» و«الآثار» في القرآن‏.‏ سمع سليمان ابن أرقم، وأبا بكر بن عياش، ومحمد بن عبيدالله العرزمي، وسفيان بن عيينة‏.‏ روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو تربة ميمون بن حفص، وغيرهما، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة، وله مناقب ومآثر ليس هذا موضعها‏.‏ ذكره في جزاء الصيد‏.‏

علي بن أبي طالب

علي بن أبي طالب ـ رضى الله عنه ـ مذكور في حديث الزبية، وهو علي بن أبي طالب واسمه‏:‏ عبد مناف بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، أبو الحسن، كناه النبي أبا تراب، وأُمه فاطمة بنت أسد، بن هاشم، بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً‏.‏ أسلمت وهاجرت إلى المدينة مع رسول الله د وتوفيت في حياة رسول الله‏.‏ وصلى عليها، ونزل قبرها، شهد بدراً والمشاهد إلا تبوك‏.‏

روى عنه ابناه الحسن والحسين، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وأبو موسى، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن جعفر، وأبو سعيد الخدري، وصهيب، وزيد بن أرقم، وجابر، وأبو أمامة، وأبو هريرة، وحذيفة بن أسيد، وجابر بن سمرة، وعمرو بن حريث، والبراء بن عازب، وطارق بن شهاب، وطارق ابن أشيم، وعبد الرحمن بن أبزى، وأبو جحيفة، وخلق سواهم من الصحابة والتابعين‏.‏

ولي الخلافة أربع سنين وسبعة أشهر وأياماً مختلفاً فيها، وقيل غير ذلك، وقتل ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة بقيت من رمضان، سنة أربعين، عام المجاعة، وله ثلاث وستون، وقيل‏:‏ أربع وستون، وقيل‏:‏ خمس وستون، وقيل‏:‏ ثمان وخمسون، وقيل‏:‏ سبع وخمسون ـ رضى الله عنه ـ‏.‏

علي بن عقيل

هو علي بن عقيل بن محمد، بن عقيل ـ بفتح العين فيهما ـ البغدادي، انتهت إليه الرئاسة في الأصول والفروع، وله الخاطر العاطر، والفهم الثاقب، واللباقة، والفطنة البغدادية، والتبريز في المناظرة على الأقران، والتصانيف الكبار، ومن طالع مصنفاته، أو قرأ شيئاً من خواطره وواقعاته في كتابه المسمى بـ «الفنون» وهو مائتا مجلد، عرف مقدار الرجل‏.‏ سمع أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد الجوهري، والفاصي أبا يعلى، وغيرهم‏.‏

مولده سنة ثلاثين وأربعمائة، وتوفي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة‏.‏

له مؤلفات كثيرة في أُصول الدين، والفقه، والفروع، منها «الكفاية في أصول الدين» و«الواضح» في أصول الفقه، ثلاث مجلدات و«كفاية المفتي» في الفقه سبع مجلدات كبار، وكتاب «التذكرة» و«رؤوس المسائل» و«الارشاد» في أصول الدين، وغير ذلك، نشأ ببغداد، ومات بها، ـ رضى الله عنه ـ ودفن بمقبرة الامام أحمد رحمه الله‏.‏

عمر بن الحسين

هو عمر بن الحسين بن عبدالله بن أحمد أبو القاسم الخرقي‏.‏

قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المروذي، وحرب الكرماني، وصالح وعبدالله ابني الامام أحمد، له المصنفات الكثيرة في المذهب، لم ينتشر منها إلا هذا المختصر في الفقه، لأنه خرج عن مدينة السلام لما ظهر بها سب الصحابة رضوان الله عليهم، وأودع كتبه في دار سليمان، فاحترقت الدار التي كانت فيها، ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد‏.‏

قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب، منهم أبو عبدالله بن بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو الحسن بن سمعون، وغيرهم‏.‏ وانتفع بهذا المختصر خلق كثير، وجعل الله له موقعاً في القلوب، حتى شرحه من شيوخ المذهب جماعة من المتقدمين والمتأخرين، كالقاضي أبي يعلى وغيره، وآخر من شرحه الامام موفق الدين أبو محمد المقدسي في كتاب «المغني» المشهور الذي لم يُسبق إلى مثله، فكل من انتفع بشيء من شروح الخرقي، فللخرقي من ذلك نصيب من الأجر، إذ كان الأصل في ذلك‏.‏ خالفه أبو بكر عبد العزيز في ثمان وتسعين مسألة يطول ذكرها، وتوفي سنة أربع ثلاثين وثلاثمائة، ودفن بدمشق رحمه الله تعالى‏.‏ والخرقي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة آخره قاف، نسبة إلى بيع الخرق، كذا ذكره السمعاني‏.‏ والخرقي بفتح الخاء والراء، نسبة إلى خرق قرية كبيرة تقارب مرو، وممن نسب إليها أبو قابوس محمد بن موسى، وعبد الرحمن بن بشير، ومحمد بن عبيدالله أبو مذعور‏.‏ والله أعلم‏.‏

عمر بن ابراهيم العكبري

هو عمر بن إبراهيم بن عبدالله أبو حفص العكبري، يعرف بابن المسلم، كان له في المذهب المعرفة العالية، والتصانيف السائرة «المقنع» و«شرح الخرقي» و«الخلاف بين الامامين» أحمد ومالك، وغيره ذلك من المصنفات‏.‏

سمع من أبي علي الصواف، وأبي بكر النجاد، وأبي محمد بن موسى، وأبي عمرو بن السماك، ودعلج بن أحمد، ودخل إلى الكوفة، والبصرة، وغيرهما من البلدان، وسمع من شيوخها، وسمع عمر بن بدر المغازلي، وأبا بكر عبد العزيز، وأبا إسحاق بن شاقلا، وأكثر ملازمة ابن بطة‏.‏ له الاختيارات في المسائل المشكلات، منها أن كل سنَّة سنها رسول الله لأمته فبأمر الله تعالى‏.‏

ويحتج على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما ينطق عن الهوى‏}‏ واختار ابن بطة، والقاضي أنه كان لرسول الله في أمر الشرع الاجتهاد، واحتجا على ذلك بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وشاورهم في الأمر‏}‏ وبمعاتبة الله تعالى له في أسارى بدر، وفي إذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏عفا الله عنك‏}‏ الآية‏.‏ قال أبو حفص‏:‏ المواضع التي يستحب تخفيف الركعتين فيها‏:‏ ركعتا الفجر، وافتتاح قيام الليل، والطواف، وتحية المسجد، والركعتان والامام يخطب، فتلك خمسة مواضع‏.‏ توفي أبو حفص رحمه الله يوم الخميس ضحوةً لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، فهذا أبو حفص صاحب الاختيارات والأقوال‏.‏

عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ذكر في باب الشروط في البيع‏.‏

وهو أبو حفص عمر بن الخطاب، بن نفيل، بن عبد العزى، بن رياح ـ بكسر الراء بعدها ياء مثناة تحت ـ بن قرط، بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي، ابن عدي، بن كعب، بن لؤي، بن غالب‏.‏ يلتقي مع رسول الله في كعب بن لؤي، وأمه حنتمة بنت هاشم، وقيل‏:‏ بنت هشام بن المغيرة، بن عبد الله، بن عمرو، بن مخزوم‏.‏ أسلم بمكة وشهد المشاهد كلها مع رسول الله‏.‏

روى عنه جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر، وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وقيل‏:‏ لثلاث بقين منه سنة ثلاث وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، سن رسول الله وأبي بكر وفي سنه اختلاف هذا أصحه، ودفن مع رسول الله في بيت عائشة، وصلى عليه صهيب بن سنان الرومي ـ رضى الله عنه ـ م أجمعين‏.‏

أبو حفص العكبري

ومن أصحابنا أبو حفص العكبري، وهو عمر بن محمد بن رجاء‏.‏

حدث عن عبدالله بن أحمد وغيره، وكان رجلاً صالحاً شديداً في السنة لا يكلِّم من يكلم رافضياً إلى عشرة‏.‏ روى عنه جماعة، منهم ابن بطة، توفي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة‏.‏ والعكبري‏:‏ منسوب إلى عكبري، وهي بليدة على نحو عشرة فراسخ من بغداد بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، مقصور‏.‏

أبو حفص البرمكي

ومن أصحابنا أيضاً أبو حفص البرمكي، وهو عمر بن أحمد بن إبراهيم، كان من الفقهاء الأعيان النساك الزهاد، ذو الفتيا الواسعة، والتصانيف النافعة‏.‏ حدث عن ابن مالك، والصواف، والحطبي في آخرين‏.‏ صحب النجاد، وأبا بكر عبد العزيز، وعمر بن بدر المغازلي‏.‏ توفي في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، ودفن بمقبرة الامام أحمد، رحمه الله‏.‏

عمران بن حصين

عمران بن حصين ـ رضى الله عنه ـ ما، ذكره في أول «صلاة أهل الأعذار‏.‏

وهو أبو نجَيْد، عمران بن حصين، بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم ابن غاضرة الخزاعي‏.‏

ىسلم هو وأبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ ما عام خيبر، روى عنه جماعة من التابعين، نزل البصرة، وكان قاضياً بها، استقضاه عبدالله بن عامر، فأقام أياماً، ثم استعفاه فأعفاه، ومات بها سنة اثنتين وخمسين، واختلف في إسلام أبيه وصحبته، والصحيح أنه أسلم‏.‏ وروي أن النبي علمه «اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي»‏.‏

عمرو بن ميمون

هو عمرو بن ميمون أبو عبدالله، ويقال‏:‏ أبو يحيى الكوفي الأدي‏.‏

أدرك الجاهلية، ولم يلق النبي، وسمع عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبا أيوب، وأبا مسعود، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وخلقاً من التابعين‏.‏

قال أبو إسحاق السَّبيعي‏:‏ كان أصحاب النبي يرضون عمرو بن ميمون‏.‏ وقال يحيى بن معني‏:‏ هو ثقة‏.‏ وقال عمرو بن علي‏:‏ مات سنة خمس وسبعين‏.‏ وقال أبو نعيم‏:‏ سنة أربع وسبعين، وحديثه أن عمر ـ رضى الله عنه ـ وضع على كل جريب من أرض السواد قفيزاً ودرهماً‏.‏ روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة‏.‏

عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ

عيسى بن مريم عليهما السلام ذكر في باب «اليمين في الدعاوى»‏.‏ وهو عيسى ابن مريم بنت عمران، وعمران ولد سليمان بن داود عليهما السلام‏.‏ خلقه الله تعالى من غير أب، ذكر أهل التفسير أن مريم عليها السلام ذهبت تغتسل من الحيض، فبينما هي متجردة، إذ عرض لها جبريل ـ عليه السلام ـ قيل‏:‏ إنه نفخ في جيب درعها فحملت حين لبسته‏.‏ وقيل‏:‏ مد جيب درعها بأصبعه، ثم نفخ في الجيب‏.‏ وقيل‏:‏ نفخ في كل قميصها‏.‏ وقيل‏:‏ في فيها‏.‏ وقيل‏:‏ نفخ من بعيد، فوصل الريح إليها، فحملت بعيسى في الحال‏.‏ وروي عن ابن عباس‏:‏ كان الحمل والولادة في ساعة واحدة‏.‏ وقيل‏:‏ كانت مدة الحمل ثمانية أشهر، ولا يعيش مولود لثمانية أشهر، فكانت آية لعيسى‏.‏ وقيل‏:‏ ستة أشهر‏.‏ وعن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله قال‏:‏ «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل، صارخاً من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأُمه» ثم قال أبو هريرة‏:‏ اقرؤوا إن شئتم ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ أخرجاه، وهذا لفظ مسلم‏.‏ وعنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ «أنا أولى الناس بابن مريم، الأنبياء أولاد علات، وليست بيني وبينه نبي» أخرجاه أيضاً، ولفظه لمسلم‏.‏ ثم رفعه الله إلى السماء‏.‏ واختلف هل رفع ميتاً، أم لا‏؟‏ واجتمع به النبي ليلة الاسراء، وأخبر ‏:‏ «أنه ينزل من السماء في آخر الزمان على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الزية، ويقتل الدجال بباب لد، ثم يمكث سبع سنين، ثم يرسل الله ريحاً باردةً من قبل الشام، فلا يبقى أحد على وجه الأرض في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضة، ثم يبقى شرار الناس يتهارجون، ثم تقوم الساعة»‏.‏

حرف القاف

القاسم بن سلام

القاسم بن سلام ذكره في حكم الأرضين المغنومة في قوله‏:‏ قال أحمد‏.‏ وأبو عبيد القاسم بن سلاّم بفتح السين وتشديد اللام، كان أبوه عبداً رومياً لرجل من أهل هراة‏.‏ سمع اسماعيل بن جعفر، وشريكاً، وإسماعيل بن عياش، وهشيماً، وسفيان بن عيينة، وابن علية، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، وكان يقصد الامام أحمد، ويحكي عنه أشياء‏.‏ وذكره ابن درستويه‏.‏ فقال‏:‏ جمع صفوفاً من العلم، وصنف الكتب في كل فن من العلوم والآداب، وكان ذا فضل ودين، وستر ومذهب حسن‏.‏ روى عن أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة، واليزيدي وغيرهم مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل‏:‏ سنة ثنتين وعشرين في خلافة المعتصم‏.‏ والأول قول البخاري‏.‏

حرف اللام

لوط عليه الصلاة والسلام

لوط ـ عليه السلام ـ النبي المرسل الذي ذكره المصنف في باب القذف‏.‏ وهو‏:‏ لوط بن هران بن تارخ وهو آزر أبو إبراهيم الخليل، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو نبي مرسل، ذكره الله تعالى في كتابه في غير موضع‏.‏ أرسله الله تعالى إلى خمس مدائن من مدن الشام، وهي‏:‏ المؤتفكات، أي‏:‏ المنقلبات قلبها الله تعالى بأهلها، وكانت في قومه أوصاف مذمومة، من أفحشها إتيان الذكور، وعبادة الأصنام، ومنها اللعب بالحمام، والخذف بالحصى، والحبق في المجالس، ومهارشة الكلاب، ومناقرة الديوك، ورمي البندق، ومضع العلك، وخضب أطراف الأصابع بالحناء، وتصفيف الطرر، والصفير، والتصفيق، وحل الأزرار، وشرب الخمر، وقص اللحية، وطول الشارب، فهذه سبع عشرة خصلة‏.‏ فأقام لوط ـ عليه السلام ـ يدعوهم إلى الله تعالى، وينهاهم عما كانوا عليه، فلم ينتهوا، ولم يزدادوا إلا تمادياً في غيهم، فأهلكهم الله تعالى بقلب المدائن بهم، فجعل أعلاها أسفلها، والأمطار بالحجارة قلبت بهم ثم أتبعت بالحجارة، قيل‏:‏ كانت الحجارة لمن لم يكن في المؤتفكات أهلكوا بها، قيل‏:‏ إن رجلاً منهم كان في الكعبة أربعين يوماً والحجر ينتظره، فلما خرج، قتله والحق لوط بعمه إبراهيم، فكان معه حتى مات، وأوصى ببناته لعمه إبراهيم‏.‏ وقيل‏:‏ كُنَّ اثنتي عشرة، وقيل‏:‏ ثلاثاً‏.‏ والله أعلم‏.‏

حرف الميم

مالك بن أنس

هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر أبو عبدالله الأصبحي المدني إمام دار الهجرة‏.‏

سمع نافعاً مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وأبا بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وخلقاً كثيراً من التابعين يطول ذكرهم‏.‏

روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري وهما من شيوخه، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وخلق كثير يطول ذكرهم‏.‏

أخبرنا أبو القاسم بن عبد الغني، بن محمد بن أبي القاسم، أخبرنا جدي، أخبرنا سعدالله بن سعد، أخبرنا أبو منصور محمد بن أجمد بن علي الخياط، أخبرنا أبو طاهر عبد الغفار بن محمد المؤدب، أخبرنا محمد بن أحمد، بن الحسين، ابن الصواف، أخبرنا بشر بن موسى، وحدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال‏:‏ قال رسول الله «يوشك أن يضرب الناسُ آباط المطي في طلب العلم، فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة» أخرجه الترمذي عن الحسن بن صباح، وإسحاق ابن منصور عن سفيان، وقال‏:‏ حديث حسن، وقد روي عن سفيان بن عيينة أنه قال في هذا‏:‏ هو مالك بن أنس‏.‏ وعن معن بن عيسى قال‏:‏ كان مالك ابن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث، اغتسل، وتبخر، وتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه، قال‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ فمن رفع صوته عند حديث رسول الله، فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله‏.‏ وكان رحمة الله عليه ثقة مأموناً، ثَبْتاً، ورعاً، فقيهاً، عالماً، حجة‏.‏ وقال أبو المعافى ابن أبي رافع المدني‏:‏

إلا إن فَقْدَ العلم في فَقْدِ مالِكٍ

فلا زالَ فِينا صالَحَ الحال مالكُ

يُقيم طريقَ الحقِّ والحقُّ واضِحٌ

ويهدي كما تَهدي النجومُ الشَّوابكُ

فلولاه ما قامتْ حدودٌ كثيرةٌ

ولولاه لانْسَدَّتْ علينا المَسَالِكُ

عَشَوْنا إليه نبتغي ضوءَ نارِهِ

وقد لزم الغيَّ اللّجوجُ المماحكُ

فَجاء بِرَأي مِثلُهُ يُقْتَدى بِهِ

كَنَظْمِ جُمانٍ زَيَّنَتْهُ السَّبَائِكُ

توفي صبيحة أَربع عشرة ليلة من ربيع الأول، وقيل‏:‏ في صفر سنة تسع وسبعين ومائة، في خلافة الرشيد وهو ابن خمس وثمانين، وقيل‏:‏ ابن تسعين، وحمل به في البطن ثلاث سنين، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم من الأئمة ـ رضى الله عنه ـ م‏.‏

محفوظ بن أحمد الكلوذاني

هو محفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوذاني من أهل باب الأزج، وكلوذا من نواحي بغداد، ويلقب بنجم الهدى، وهو الامام البارع، ذو التصانيف المفيدة، منها «الهداية» وكتاب «الانتصار» و«رؤوس المسائل» و«التهذيب» في الفرائض، وغير ذلك، وله الشعر الحسن، منه قصيدته في معاتبته نفسه‏.‏

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي، وبكى حين أنشدناها حتى حَنَّ، وأولها‏:‏

يا نفس ليس بليتي إلاّكِ

لولاك كنت مهذَّباً لولاك

وهي خمس وعشرون بيتاً‏.‏ وهو من جِلَّة أصحاب القاضي أبو يعلى ابن الفراء، وأعيانهم، مولده ثاني شوال، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وتوفي في سحرة يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة، سنة عشر وخمسمائة، سمع الحديث عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري، وأبي طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري، والقاضي أبي يعلى، ـ رضى الله عنه ـ م‏.‏

محمد بن الحسين الفراء

هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف، بن أحمد، بن الفراء، وهو القاضي السعيد الامام أبو يعلى، قال ولده القاضي أبو الحسين في كتاب «الطبقات» الذي أخبرنا به الامام الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف، بن محمد قراءة عليه‏:‏ أخبركم الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم، بن أحمد المقدسي، أخبرنا عبد المغيث بن زهير الحربي، أخبرنا القاضي أبو الحسين رحمه الله، فقال‏:‏ الوالد السعيد أبو يعلى كان عالم زمانه، وفريد عصره، ونسيج وحده، وقريع دهره وكان له في الأصول والفروع القدم العالي، وفي شرف الدين والدنيا المحل السامي، والخطر الرفيع عند الامامين القادر، والقائم‏.‏ وأصحاب أحمد رحمه الله تعالى له يتبعون، ولتصانيفه يدرسون ويُدرِّسُون، وبقوله يفتون، والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون، ولمقالته يسمعون ويطيعون، وبالائتمام به يقتدون، وقد شوهد له من الحال ما يغني عن المقال، لا سيما مذهب إمامنا أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، واختلاف الروايات عنه، وما صح لديه منه مع معرفته بالقرآن وعلومه، والحديث، والفتاوى، والجدل، وغير ذلك من العلوم مع الزهد، والورع، والعفة، والقناعة، وانقطاعه عن الدنيا وأهلها، واشتغاله بسطر العلم وبثه، وإذاعته، وكان والده أبو عبدالله أحد شهود الحضرة بمدينة السلام، صحب ابن حامد إلى أن توفي ابن حامد سنة ثلاث وأربعمائة وبرع في ذلك‏.‏ ولد يعني‏:‏ القاضي أبا يعلى لتسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة ثمانين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الاثنين بين العشاءين تاسع عشر رمضان سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وصلى عليه أخي أبو القاسم يوم الاثنين بجامع المنصور، ودفن في مقبرة الامام أحمد ـ رضى الله عنه ـ‏.‏

أبو يعلى الصغير

هو القاضي محمد بن محمد، بن الحسين، بن محمد، بن خلف، بن أحمد، ابن الفراء أبو يعلى الصغير، ويلقب عماد الدين ابن القاضي أبي خازم ابن القاضي الكبير أبي يعلى شيخ المذهب في وقته‏.‏ تفقه على أبيه القاضي أبي خازم بالخاء المعجمة، وعلى عمه القاضي أبي الحسين، وكان ذا ذكاء مفرط، توفي سنة ستين وخمسمائة ببغداد رحمه الله تعالى‏.‏

محمد بن أحمد الهاشمي

هو محمد بن أحمد ابن أبي موسى، أبو علي الهاشمي القاضي ذكره في باب «الموصى له» وغيره، كان رحمه الله عالي القدر، سامي الذكر، له القدم العالي، والحظ الوافي عند الامامين القادر بالله، والقائم بأمر الله‏.‏ سمع الحديث من جماعة منهم محمد بن المظفر في آخرين، صنف «الارشاد» في المذهب، وكانت له حلقة بجامع المنصور، يفتي، ويشهد‏.‏ صحب أبا الحسن التميمي وغيره من شيوخ المذهب، ولي قضاء الكوفة مرتين، ولاه القادر بالله‏.‏ روي عن رزق الله قال‏:‏ زرت قبر الامام أحمد صحبة القاضي الشريف أبي علي، فرأيته يقبل رجل القبر فقلت له‏:‏ في هذا أثر‏؟‏ فقال لي‏:‏ أجل في نفسي شيء عظيم، وما أظن أن الله يؤاخذني بهذا، أو كما قال‏.‏ ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وتوفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ودفن بقرب الامام أحمد رحمه الله‏.‏

المُطَّلِب

المطلب ذكر في «الزكاة» وهو المطلب بن عبد مناف، بن قصي عم عبد المطلب جد النبي، وله ثلاثة أخوة‏:‏ هاشم جد أبي النبي، وعبد شمس أُمهما عاتكة بنت مرة، ونوفل بن عبد مناف أُمه‏:‏ واقدة بنت عمرو المازنية، فبنو المطلب يصرف إليهم من خمس والخمس قولاً واحداً، وفي الزكاة روايتان، وبنو هاشم لا تحل لهم الزكاة قولاً واحداً، وبنو نوفل، وعبد شمس تحل لهم الزكاة قولاً واحداً، ولا يصرف إليهم من خمس الخمس قولاً واحداً، والله تعالى أعلم‏.‏

موسى عليه الصلاة والسلام

موسى ـ عليه السلام ـ ذكره في باب «اليمين في الدعاوى» وهو موسى بن عمران، ابن قاهث، بن لاوي، بن يعقوب، بن إسحاق، بن إبراهيم عليهم السلام، وكان جعداً، آدم طوالا، كأنه من رجال شنوءة، في أرنبته شامة، وعلى طرف لسانه شامة، وهي العقدة التي ذكرها الله تعالى، بلغ من العمر مائة وسبع عشرة سنة، اجتمع به نبينا ليلة الإسراء، وأشار عليه بالتردد إلى ربه تبارك وتعالى في تخفيف الصلاة، فرضت خمسين صلاة، فصارت إلى خمس، فله علينا بذلك المنة‏.‏

حرف الهاء

هاشم

هو هاشم جد أبي النبي والد عبد المطلب، واسمه عمرو، وسمي هاشماً، لأنه هشم الثريد لقومه، وفيه يقول الشاعر‏:‏

عَمْرُو الذي هشم الثريد لقومه

ورجالُ مَكَّةً مُسْنِتون عِجَاف

أعلام النساء

آمنة

أُم النبي، ذكرها في آخر باب «القذف» عند قوله‏:‏ ومن قذف أمَّ النبي‏.‏ وهي‏:‏ آمنة بنت وهب، بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، ابن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، تلتقي مع رسول الله في كلاب ابن مرة، توفيت ورسول الله ابن أربع سنين، وقيل‏:‏ وهو ابن ست سنين، قال ابن قتيبة‏:‏ لم يكن لآمنة أخ فيكون خالاً للنبي، ولكن بنو زهرة يقولون‏:‏ نحن أخوال النبي، لأن آمنة منهم‏.‏

عائشة ـ رضى الله عنه ـ

عائشة ذكرها في باب «صوم التطوع» وهي‏:‏ عائشة بنت أبي بكر عبدالله، ابن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب التَّيمية، تلتقي مع رسول الله في مرة بن كعب، أم المؤمنين أم عبدالله الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب رب العالمين التي برأها الله تعالى في كتابه، زوج النبي في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فهو كافر بالله العظيم، تزوجها رسول الله بمكة قبل الهجرة بسنتين، هذا قول أبي عبيدة‏.‏ وقال غيره‏:‏ بثلاث سنين‏.‏ وقيل‏:‏ تزوجها قبل الهجرة بسنة ونصف، أو نحوها‏.‏ وهي بنت ست سنين، وبنى بها بالمدينة المنورة بعد منصرفه من وقعة بدر في بدر، في شوال سنة ثِنْتَيْنِ وهي بنت تسع سنين، وقيل أيضاً‏:‏ دهل بها في شوال على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجرته إلى المدينة، توفيت سنة سبع وخمسين‏.‏ وقيل‏:‏ سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ ما، ودفنت بالبقيع‏.‏ قال الواقدي‏:‏ ماتت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان، سنة ثمان وخمسين، وهي ابنة ست وستين ـ رضى الله عنها‏.‏

هند

هند ذكرها في كتاب «النفقات» وهي هند بنت عتبة، بن ربيعة، بن عبد شمس، بن عبد مناف، امرأة أبي سفيان صخر بن حرب، أُم معاوية، أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها، فأقرهما رسول الله على نكاحهما، وكانت فيما ذكر لها أنفة، شهدت أُحُداً مع زوجها وهي كافرة، وكانت تقول يوم أُحد‏:‏

نَحْنُ بَناتُ طارِق

نَمْشي عَلَى النَّمارِقْ

إن تُقْبِلوا نُعانِق

أَوْ تُدْبِروا نُفارِقْ

فِرَاقَ غير وامق

والله أعلم

فهذا آخر ما تهيَّأ جمعه في شرح ألفاظ «المقنع» وأعلامه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين آمين‏.‏

فصل مما تكرر ذكره في الكتاب خمسة أشياء‏.‏

أحدها‏:‏ الرواية مفردة، ومثناة، ومجموعة، كقوله‏:‏ على روايتين، وفيه روايتان‏.‏ فالرواية في الأصل‏:‏ مصدر روى الحديث والشعر ونحوهما رواية‏:‏ إذا حفظه وأخبر به، وهي هاهنا مصدر مطلق على المفعول، فهي رواية بمعنى‏:‏ مروية، وهي الحكم المروي عن الامام أحمد ـ رضى الله عنه ـ في المسألة، وكذا هي في اصطلاح أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، يعبرون عن ذلك بالقول، فيقولون‏:‏ فيها قول وقولان، وأقوال للشافعي، وكل ذلك اصطلاح لا حجر على الناس فيه‏.‏

الثاني‏:‏ الوجه مثنى ومجموعاً، فيقال‏:‏ وجهان، وعلى وجهين، وثلاثة أوجه، وهو في الأصل من كل شيء مستقبله، ثم يستعمل في غير ذلك‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ الحكم المنقول في المسألة لبعض أصحاب الامام المجتهدين فيه، ممن رآه فمن بعدهم، جارياً على قواعد الامام، فيقال‏:‏ وجه في مذهب الامام أحمد، والامام الشافعي، أو نحوهما، وربما كان مخالفاً لقواعد الامام إذا عضده الدليل‏.‏

الثالث‏:‏ قوله بعد ذكر المسألة‏:‏ «وعنه» فهو عبارة عن رواية عن الامام، والضمير فيه له، وإن لم يتقدم له ذكر، لكونه معلوماً، فهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أنزلناه‏}‏ والضمير للقرآن مع عدم ذكره لفظاً، «فعنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف، أي‏:‏ نقل ناقل عنه، أو نقل أصحابه عنه‏.‏ وفعل ذلك المتأخرون اختصاراً، وإلا فالأصل أن يقال‏:‏ نقل عبدالله عن الامام كذا، أو نقل صالح، أو نقل المروذي، كما فعله أبو الخطاب في «الهداية» وغيره من المتقدمين‏.‏

الرابع‏:‏ التخريج، فيقولون‏:‏ يتخرج كذا، وهو مطاوع خرج، تقول‏:‏ خرّجه فتخرج، كما تقول‏:‏ علمه فتعلم، وخرَّج متعدي خرج يخرج، ضد دخل يدخل، وهو في معنى الاحتمال، وإنما يكون الاحتمال والتخريج إذا فهم المعنى، وكان المخرج والمحتمل مساوياً لذلك المخرج منه في ذلك المعنى، كما إذا أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين، جاز نقل الحكم وتخريجه من كل واحدة منهما إلى الأخرى، ما لم يفرق بينهما، أو يقرب الزمن‏.‏

الخامس‏:‏ الاحتمال، وهو في الأصل مصدر‏:‏ احتمل الشيء بمعنى‏:‏ حمله، وهو افتعال منه‏.‏ ومعناه‏:‏ أن هذا الحكم المذكور قابل ومتهيء لأن يقال فيه بخلافه، كاحتمال قبول الشهادة بغير لفظ الشهادة، نحو أعلم، أو أتحقق، أو أجزم، فانه قابل للقول فيه بذلك، والاحتمال في معنى الوجه، لأن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال تبيين أن ذلك صالح لكونه وجهاً‏.‏ وكثير من الاحتمالات في المذهب، بل أكثرها، للقاضي الامام أبي يعلى محمد بن الفراء في كتابه «المجرد» وغيره، ومما نكرر فيه‏:‏ قوله‏:‏ ظاهر المذهب، فالمذهب‏:‏ مفعل، من ذهب يذهب‏:‏ إذا مضى، مقصوداً به المصدر، أي‏:‏ ظاهر ذهابه، والألف واللام فيه للعهد، لأن المراد بذلك مذهب الامام أحمد، والظاهر البائن الذي ليس يخفى أنه المشهور في المذهب، كنقض الوضوء بأكل لحم الجزور، ولمس الذكر، وعدم صحة الصلاة في الدار المغصوبة، ولا يكاد يطلق إلا على ما فيه خلاف عن الامام أحمد‏.‏